صفحة جزء
فصل

يشترط في مؤدي الفطرة ، ثلاثة أمور .

الأول : الإسلام .

فلا فطرة على الكافر عن نفسه ، ولا عن غيره ، إلا إذا كان له عبد مسلم ، أو قريب مسلم ، أو مستولدة مسلمة ، ففي وجوب الفطرة عليه وجهان ، بناء على أنها تجب على المؤدي ابتداء ، أو على المؤدى عنه ، ثم يتحمل المؤدي ؟ .

قلت : أصحهما : الوجوب ، وصححه الرافعي في " المحرر " وغيره . وهو مقتضى البناء . والله أعلم .

فإن قلنا بالوجوب ، فقال إمام الحرمين : لا صائر إلى أن المتحمل عنه ينوي . ولو أسلمت ذمية تحت ذمي ، ودخل وقت الفطرة في تخلف الزوج ، ثم أسلم قبل انقضاء العدة ، ففي وجوب نفقتها مدة التخلف خلاف يأتي في موضعه إن شاء [ ص: 299 ] الله تعالى . فإن لم نوجبها ، فلا فطرة . وإن أوجبناها ، فالفطرة على هذا الخلاف في عبده المسلم .

الأمر الثاني : الحرية .

فليس على الرقيق فطرة نفسه ، ولا فطرة زوجته . ولو ملكه السيد عبدا ، وقلنا : يملكه ، سقطت فطرته عن سيده ، لزوال ملكه ، ولا تجب على المتملك لضعف ملكه . وفي المكاتب ثلاثة أقوال ، أو أوجه .

أصحها : لا فطرة عليه ، ولا على سيده عنه ، والثاني : تجب على سيده ، والثالث : تجب عليه في كسبه كنفقته .

والخلاف في أن المكاتب عليه فطرة نفسه يجري في أن عليه فطرة زوجته وعبيده . والمدبر ، والمستولدة ، كالقن . ومن بعضه حر ، سبق حكمه .

الأمر الثالث : اليسار .

فالمعسر لا فطرة عليه ، وكل من لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته ، ليلة العيد ويومه ، ما يخرجه في الفطرة ، فهو معسر ، ومن فضل عنه ما يخرجه في الفطرة من أي جنس كان من المال ، فهو موسر .

ولم يذكر الشافعي وأكثر الأصحاب في ضبط اليسار والإعسار ، إلا هذا القدر . وزاد الإمام : فاعتبر كون الصاع فاضلا عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إليه في خدمته . وقال : لا يحسب عليه في هذا الباب ما لا يحسب في الكفارة .

وإذا نظرت كتب الأصحاب لم تجد ما ذكره ، وقد يغلب على ظنك أنه لا خلاف في المسألة ، وأن الذي ذكره ، كالبيان والاستدراك لما أهمله الأولون ، وربما استشهدت بكونهم لم يذكروا دست ثوب يلبسه ، ولا شك في اعتباره ، فإن الفطرة ليست بأشد من الدين ، وهو مبقى عليه في الدين ، لكن الخلاف ثابت ، فإن الشيخ أبا علي حكى وجها ، أن عبد الخدمة لا يباع في الفطرة ، كما لا يباع في الكفارة ، ثم أنكر عليه وقال : لا يشترط في الفطرة كونه فاضلا عن كفايته ، بل المعتبر قوت يومه كالدين ، بخلاف الكفارة ، فإن لها بدلا ، وذكر في " التهذيب " ما يقتضي وجهين .

والأصح عنده : موافقة الإمام ، [ ص: 300 ] واحتج له بقول الشافعي رضي الله عنه : أن الابن الصغير إذا كان له عبد يحتاج إلى خدمته ، لزم الأب فطرته كفطرة الابن ، فلولا أن العبد غير محسوب ، لسقط بسببه فطرة الابن أيضا .

وإذا شرطنا كون المخرج فاضلا عن العبد والمسكن ، إنما نشترطه في الابتداء ، فلو ثبتت الفطرة في ذمة إنسان ، بعنا خادمه ومسكنه فيها ، لأنها بعد الثبوت التحقت بالديون .

واعلم أن الدين على الآدمي يمنع وجوب الفطرة بالاتفاق ، كما أن الحاجة إلى صرفه في نفقة القريب تمنعه .

كذا قاله الإمام . قال : ولو ظن ظان أن لا يمنعه على قول كما لا يمنع وجوب الزكاة ، كان مبعدا . هذا لفظه ، وفيه شيء نذكره في آخر الباب إن شاء الله تعالى . فعلى هذا ، يشترط مع كون المخرج فاضلا عما سبق ، كونه فاضلا عن قدر ما عليه من الدين .

واعلم أن اليسار إنما يعتبر وقت الوجوب ، فلو كان معسرا عنده ثم أيسر ، فلا شيء عليه .

فرع

لو فضل معه عما لا يجب عليه بعض صاع ، لزمه إخراجه على الأصح ، ولو فضل صاع وهو يحتاج إلى إخراج فطرة نفسه وزوجته وأقاربه ، فأوجه .

أصحها : يلزمه تقديم فطرة نفسه ، والثاني : يلزمه تقديم الزوجة ، والثالث : يتخير ، إن شاء أخرجه عن نفسه ، وإن شاء عن غيره .

فعلى هذا ، لو أراد توزيعه عليهم ، لم يجز على الأصح . والوجهان على قولنا : من وجد بعض صاع فقط ، لزمه إخراجه ، فإن لم يلزمه ، لم يجز التوزيع بلا خلاف .

ولو فضل صاع وله عبد ، صرفه عن نفسه ، وهل يلزمه أن يبيع في فطرة العبد جزءا منه ؟ فيه أوجه . أصحها : إن كان يحتاج إلى خدمته ، لم يلزمه ، وإلا لزم .

والثاني : يلزمه مطلقا . والثالث : لا يلزمه مطلقا . ولو فضل صاعان وفي نفقته جماعة ، فالأصح : أنه يقدم نفسه بصاع ، وقيل : يتخير . [ ص: 301 ] وأما الصاع الآخر ، فإن كان من في نفقته أقارب ، قدم منهم من يقدم نفقته ، ومراتبهم وفاقا وخلافا ، وموضعها كتاب النفقات ، فإن استووا فيتخير ، أو يسقط وجهان . ولم يتعرضوا للإقراع ، وله مجال في نظائره .

قلت : الأصح : التخيير . والله أعلم .

ولو اجتمع مع الأقارب زوجة ، فأوجه .

أصحها : تقدم الزوجة . والثاني : القريب . والثالث : يتخير ، فعلى الأصح ، لو فضل صاع ثالث ، فإخراجه عن أقاربه على ما سبق فيما إذا تمحضوا .

واعلم أن المذهب من الخلاف الذي ذكرناه ، والذي أخرناه ، إلى كتاب النفقات : أنه يقدم نفسه ، ثم زوجته ، ثم ولده الصغير ، ثم الأب ، ثم الأم ، ثم الولد الكبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية