صفحة جزء
الصنف الثاني : المسكين ، وهو الذي يملك ما يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه ، بأن احتاج إلى عشرة وعنده سبعة أو ثمانية .

وفي معناه ، من يقدر على كسب ما يقع موقعا ، ولا يكفي ، وسواء كان ما يملكه من المال نصابا أو أقل ، أو أكثر ، ولا يعتبر في المسكين السؤال ، قطع به أكثر الأصحاب ، ومنهم من نقل عن القديم اعتباره .

وإذا عرفت الفقير والمسكين ، عرفت أن الفقير أشد حالا من المسكين . هذا هو الصحيح ، وعكسه أبو إسحاق المروزي .

فرع

المعتبر من قولنا ، يقع موقعا من كفايته وحاجته ، المطعم ، والمشرب ، والملبس ، والمسكن ، وسائر ما لا بد منه على ما يليق بالحال ، من غير إسراف ولا تقتير للشخص ، ولمن هو في نفقته .

[ ص: 312 ] فرع

سئل الغزالي - رحمه الله - عن القوي من أهل البيوتات ، الذين لم تجر عادتهم بالتكسب بالبدن ، هل له أخذ الزكاة ؟ قال : نعم ، وهذا جار على ما سبق ، أن المعتبر حرفة تليق به .

قلت : بقيت مسائل تتعلق بالفقير والمسكين .

إحداها : قال الغزالي في " الإحياء " : لو كان له كتب فقه ، لم تخرجه عن المسكنة ، ولا تلزمه زكاة الفطر .

وحكم كتبه حكم أثاث البيت ، لأنه محتاج إليها ، لكن ينبغي أن يحتاط في مهم الحاجة إلى الكتاب . فالكتاب يحتاج إليه لثلاثة أغراض ، من التعليم ، والتفرج بالمطالعة ، والاستفادة .

فالتفرج لا يعد حاجة ، كاقتناء كتب الشعر والتواريخ ونحوها مما لا ينفع في الآخرة ، ولا في الدنيا ، فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر ، ويمنع اسم المسكنة .

وأما حاجة التعليم ، فإن كان للتكسب ، كالمؤدب ، والمدرس بأجرة ، فهذه آلته ، فلا تباع في الفطرة كآلة الخياط ، وإن كان يدرس للقيام بفرض الكفاية ، لم يبع ، ولا تسلبه اسم المسكنة ، لأنها حاجة مهمة .

وأما حاجة الاستفادة والتعليم من الكتاب ، كادخاره كتاب طب ليعالج به نفسه ، أو كتاب وعظ ليطالعه ويتعظ به ، فإن كان في البلد طبيب وواعظ ، فهو مستغن عن الكتاب . وإن لم يكن ، فهو محتاج .

ثم ربما لا يحتاج إلى مطالعته إلا بعد مدة ، فينبغي أن تضبط فيقال : ما لا يحتاج إليه في السنة ، فهو مستغن عنه . فتقدر حاجة أثاث البيت وثياب البدن بالسنة ، فلا تباع ثياب الشتاء في الصيف ، ولا ثياب الصيف في الشتاء ، والكتب بالثياب أشبه .

وقد يكون له من كتاب نسختان ، فلا حاجة له إلى إحداهما فإن قال : إحداهما أصح ، والأخرى أحسن ، قلنا : اكتف بالأصح ، وبع الأحسن ، وإن كان نسختان من علم واحد ، إحداهما مبسوطة ، والأخرى [ ص: 313 ] وجيزة ، فإن كان مقصوده الاستفادة ، فليكتف بالبسيط ، وإن كان التدريس احتاج إليهما . هذا آخر كلام الغزالي ، وهو حسن ، إلا قوله في كتاب الوعظ أنه يكتفي بالواعظ ، فليس بمختار ، لأنه ليس كل واحد ينتفع بالواعظ كانتفاعه في خلوته وعلى حسب إرادته .

الثانية : إذا كان له عقار ينقص دخله عن كفايته ، فهو فقير أو مسكين ، فيعطى من الزكاة تمامها ، ولا يكلف بيعه . ذكره الجرجاني في " التحرير " والشيخ نصر وآخرون . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية