صفحة جزء
[ ص: 356 ] فصل

لا بد للصائم من الإمساك عن المفطرات ، وهي أنواع .

منها : الجماع ، وهو مفطر بالإجماع .

ومنها : الاستمناء ، وهو مفطر .

ومنها : الاستقاءة ، فمن تقيأ عمدا ، أفطر . ومن ذرعه القيء ، لم يفطر . ثم اختلفوا في سبب الفطر إذا تقيأ عمدا ، فالأصح : أن نفس الاستقاءة مفطرة كالإنزال ، والثاني : أن المفطر رجوع شيء مما خرج وإن قل .

فلو تقيأ منكوسا ، أو تحفظ ، فاستيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه ، ففي فطره الوجهان . قال الإمام : فلو استقاء عمدا ، أو تحفظ جهده ، فغلبه القيء ورجع شيء ، فإن قلنا : الاستقاءة مفطرة بنفسها ، فهنا أولى ، وإلا فهو كالمبالغة في المضمضة إذا سبق الماء إلى جوفه .

فرع

من المفطرات دخول شيء في جوفه - وقد ضبطوا الداخل المفطر بالعين الواصلة - الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم .

وفيه قيود : منها الباطن الواصل إليه . وفيما يعتبر به وجهان . أحدهما : أنه ما يقع عليه اسم الجوف ، والثاني : يعتبر معه أن يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من غذاء أو دواء .

والأول هو الموافق لكلام الأكثرين ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . ويدل عليه أنهم جعلوا الحلق كالجوف في بطلان الصوم بوصول الواصل إليه .

وقال الإمام : إذا جاوز الشيء الحلقوم ، أفطر . وعلى الوجهين جميعا باطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة ، مما يفطر الوصول إليه ، حتى لو كان على بطنه جائفة ، أو برأسه [ ص: 357 ] مأمومة ، فوضع عليها دواء فوصل جوفه أو خريطة دماغه ، أفطر وإن لم يصل باطن الأمعاء أو باطن الخريطة ، وسواء كان الدواء رطبا أو يابسا . ولنا وجه : أن الوصول إلى المثانة لا يفطر ، وهو شاذ . والحقنة تفطر على الصحيح .

وقال القاضي حسين : لا تفطر ، وهو غريب .

والسعوط إن وصل الدماغ ، فطر . وما جاوز الخيشوم في الإسعاط ، فقد حصل في حد الباطن وداخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة .

والخيشوم له حكم الظاهر من بعض الوجوه ، حتى لو خرج إليه القيء وابتلع منه نخامة ، أفطر ، ولو أمسك فيه شيئا ، لم يفطر ، ولو نجس ، وجب غسله ، وله حكم الباطن من حيث أنه لو ابتلع منه الريق لا يفطر ، ولا يجب غسله على الجنب .

فرع

لا بأس بالاكتحال للصائم ، سواء وجد في حلقه منه طعما ، أم لا ، لأن العين ليست بجوف ، ولا منفذ منها إلى الحلق .

ولو قطر في أذنه شيئا فوصل إلى الباطن ، أفطر على الأصح عن الأكثرين ، كالسعوط ، والثاني : لا يفطر كالاكتحال ، قاله الشيخ أبو علي ، والقاضي حسين ، والفوراني . ولو قطر في إحليله شيئا لم يصل إلى المثانة ، فأوجه .

أصحها : يفطر ، والثاني : لا ، والثالث : إن جاوز الحشفة ، أفطر ، وإلا ، فلا . ولا يفطر الفصد والحجامة ، لكن يكرهان للصائم .

وقال ابن المنذر وابن خزيمة من أصحابنا : يفطر بالحجامة .

[ ص: 358 ] فرع

لو أوصل الدواء إلى داخل لحم الساق ، أو غرز فيه السكين فوصلت مخه ، لم يفطر ، لأنه لم يعد عضوا مجوفا . ولو طلى رأسه أو بطنه بالدهن فوصل جوفه بشرب المسام ، لم يفطر ، لأنه لم يصل من منفذ مفتوح ، كما لا يفطر بالاغتسال والانغماس في الماء وإن وجد له أثرا في باطنه .

ولو طعن نفسه ، أو طعنه غيره بإذنه ، فوصل السكين جوفه ، أفطر ، سواء كان بعض السكين خارجا ، أو لم يكن .

وكذا لو ابتلع طرف خيط وطرفها الآخر بارز ، أفطر بوصول الطرف الواصل ، ولا يعتبر الانفصال من الظاهر .

وحكى الحناطي وجها فيمن أدخل طرف خيط في دبره أو جوفه ، وبعضه خارج : أنه لا يفطر .

فرع

لو ابتلع طرف خيط بالليل ، وطرفه الآخر خارج ، فأصبح كذلك ، فإن تركه لم تصح صلاته ، وإن نزعه أو ابتلعه لم يصح صومه .

فينبغي أن يبادر غيره إلى نزعه وهو غافل ، فإن لم يتفق ذلك ، فالأصح : أن يحافظ على الصلاة فينزعه أو يبتلعه ، والثاني : يتركه محافظة على الصوم ، ويصلي على حاله .

قلت : ويجب إعادة الصلاة على الصحيح . والله أعلم .

[ ص: 359 ] فرع

من قيود المفطر وصوله بقصد ، فلو طارت ذبابة إلى حلقه ، أو وصل غبار الطريق ، أو غربلة الدقيق إلى جوفه ، لم يفطر . فلو فتح فاه عمدا حتى دخل الغبار جوفه ، قال في " التهذيب " : لم يفطر على الأصح .

ولو ربطت المرأة ووطئت ، أو طعن أو أوجر بغير اختياره ، لم يفطر . ونقل الحناطي وجهين فيما إذا أوجر بغير اختياره ، وهذا غريب .

فلو كان مغمى عليه فأوجر معالجة وإصلاحا له ، وقلنا : لا يبطل الصوم بمجرد الإغماء ، ففي بطلانه بهذا الإيجار وجهان .

أصحهما : لا يفطر . ونظير الخلاف إذا عولج المحرم المغمى عليه بدواء فيه طيب ، هل تجب الفدية ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية