صفحة جزء
فرع

إذا بقي طعام في خلل أسنانه ، فابتلعه عمدا ، أفطر . وإن جرى به الريق بغير قصد ، فنقل المزني : أنه لا يفطر . والربيع : أنه يفطر . وقيل : قولان . والأصح حملها على حالتين ، فحيث قال : لا يفطر ، أراد به ما إذا لم يقدر على تمييزه ومجه .

وحيث قال : يفطر ، أراد به ما إذا قدر فلم يفعل وابتلعه . وقال إمام الحرمين والغزالي : إن نقى أسنانه بالخلال على العادة ، ( فهو ) كغبار الطريق ، وإلا ، أفطر لتقصيره ، كالمبالغة في المضمضة . ولقائل أن ينازعهما في إلحاقه بالمبالغة التي ورد النص بكراهتها ، ولأن ماء المبالغة أقرب إلى الجوف .

فرع

المني إذا خرج بالاستمناء ، أفطر ، وإن خرج بمجرد فكر ونظر بشهوة ، لم يفطر ، وإن خرج بمباشرة فيما دون الفرج ، أو لمس أو قبلة ، أفطر . هذا هو [ ص: 362 ] المذهب ، وبه قال الجمهور . وحكى إمام الحرمين عن شيخه : أنه حكى وجهين فيما إذا ضم امرأة إلى نفسه وبينهما حائل ، فأنزل . قال : وهو عندي كسبق ماء المضمضة ، فإن ضاجعها متجردا ، فكالمبالغة في المضمضة .

فرع

تكره القبلة لمن حركت شهوته ولا يأمن على نفسه ، وهي كراهة تحريم على الأصح ، والثاني : كراهة تنزيه ، ولا تكره لغيره ، ولكن الأولى تركها .

فرع

لو اقتلع نخامة من باطنه ولفظها ، لم يفطر على المذهب الذي قطع به الحناطي وكثيرون . وحكى الشيخ أبو محمد فيه وجهين .

ثم إن الغزالي جعل مخرج الحاء المهملة من الباطن ، والخاء المعجمة من الظاهر . ووجهه لائح ، فإن المهملة تخرج من الحلق ، والحلق باطن ، والمعجمة تخرج مما قبل الغلصمة ، لكن يشبه أن يكون قدر مما بعد مخرج المهملة من الظاهر أيضا .

قلت : المختار أن المهملة أيضا من الظاهر ، وعجب كونه ضبطه بالمهملة التي هي من وسط الحلق ، ولم يضبطه بالهاء أو الهمزة ، فإنهما من أقصى الحلق . وأما المعجمة ، فمن أدنى الحلق ، وهذا معروف مشهور لأهل العربية . والله أعلم .

[ ص: 363 ] فرع

قدمنا أنه لا يفطر بالإيجار مكرها على المذهب ، فلو أكره على الأكل ، لم يفطر على الأظهر . ويجري الوجهان فيما لو أكرهت على الوطء ، أو أكره الرجل ، وقلنا : يتصور إكراهه ، ولكن لا كفارة وإن حكمنا بالفطر للشبه .

وإن قلنا : لا يتصور الإكراه ، أفطر ، ولزمته الكفارة . وإن أكل ناسيا ، فإن كان قليلا ، لم يفطر قطعا ، وإن كثر ، فوجهان كالوجهين في الكلام الكثير في الصلاة ناسيا .

قلت : الأصح هنا : أنه لا يفطر . والله أعلم .

وإن أكل جاهلا بكونه مفطرا ، فإن كان قريب عهد بالإسلام ، أو نشأ ببادية وكان يجهل مثل ذلك ، لم يفطر ، وإلا أفطر . ولو جامع ناسيا ، لم يفطر على المذهب .

وقيل قولان : كجماع المحرم ناسيا . ولو أكل ظانا غروب الشمس ، فبانت طالعة ، أو ظن أن الفجر لم يطلع ، فبان طالعا ، أفطر على الصحيح المنصوص ، وبه قطع الجمهور .

وقيل : لا يفطر فيهما ، قاله المزني وابن خزيمة من أصحابنا . وقيل : يفطر في الأولى دون الثانية لتقصيره في الأولى .

فرع

الأحوط للصائم ، أن لا يأكل حتى يتيقن غروب الشمس ، فلو غلب على ظنه الغروب باجتهاد بورد أو غيره ، جاز له الأكل على الصحيح . وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : لا يجوز ، لقدرته على اليقين بالصبر . وأما في آخر الليل ، فيجوز الأكل بالاجتهاد دون الظن . فلو هجم في الطرفين ، فأكل بلا ظن ، فإن [ ص: 364 ] تبين الخطأ ، فحكمه ما سبق في الفرع قبله ، وإن تبين الصواب . استمرت صحة الصوم ، وإن لم يبن الخطأ ولا الصواب ، فإن كان ذلك في آخر النهار ، وجب القضاء ، وإن كان في أوله ، فلا قضاء ، استصحابا للأصل فيهما .

ولو أكل في آخر النهار بالاجتهاد ، وقلنا : لا يجوز الأكل ، كان كمن أكل بالاجتهاد .

قلت : والأكل هجوما بلا ظن حرام في آخر النهار قطعا ، وجائز في أوله . وقال الغزالي في الوسيط : لا يجوز ، ومثله في " التتمة " ، وهو محمول على أنه ليس مباحا مستوي الطرفين ، بل الأولى تركه .

وقد صرح به الماوردي والدارمي وخلائق بأنه لا يحرم على الشاك الأكل وغيره ، ولا خلاف في هذا القول ، لقول الله تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض . . . ) .

[ البقرة : 187 ] وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما " كل ما شككت حتى يتبين لك " . والله أعلم .

فرع

إذا طلع الفجر وفي فيه طعام ، فليلفظه ، ويصح صومه ، فإن ابتلعه ، أفطر . فلو لفظ في الحال ، فسبق شيء إلى جوفه بغير اختياره ، فوجهان مخرجان من سبق الماء في المضمضة .

قلت : الصحيح : لا يفطر . والله أعلم .

ولو طلع وهو مجامع ، فنزع في الحال ، صح صومه ، نص عليه في " المختصر " ولهذه المسألة ثلاثة صور .

أحدها : أن يحس بالفجر وهو مجامع ، فنزع بحيث يوافق آخر نزعه الطلوع . [ ص: 365 ] والثانية : يطلع الفجر وهو مجامع ، ويعلم بالطلوع في أوله ، فينزع في الحال . والثالثة : أن يمضي زمن بعد الطلوع ، ثم يعلم به .

أما هذه الثالثة ، فليست مرادة بالنص ، بل يبطل فيها الصوم على المذهب ، ويجيء فيها الخلاف السابق فيمن أكل ظانا أن الصبح لم يطلع ، فبان خلافه ، فعلى المذهب : لو مكث في هذه الصورة ، فلا كفارة عليه ، لأن مكثه مسبوق ببطلان الصوم .

وأما الصورتان الأوليان ، فمرادتان بالنص ، فلا يبطلان الصوم فيهما . وفي الثانية منهما وجه شاذ : أنه يبطل .

وأما إذا طلع الفجر وعلم بمجرد الطلوع ، فمكث ، فيبطل صومه قطعا ، ويلزمه الكفارة على المذهب . وقيل : فيهما قولان .

ولو جامع ناسيا ثم تذكر فاستدام ، فهو كالماكث بعد الطلوع . فإن قيل : كيف يعلم الفجر بمجرد طلوعه ، وطلوعه الحقيقي يتقدم على علمنا به ؟ فأجاب الشيخ أبو محمد بجوابين .

أحدهما : أنها مسألة علمية على التقدير ، ولا يلزم وقوعها . والثاني : أنا تعبدنا بما نطلع عليه ، ولا معنى للصبح إلا ظهور الضوء للناظر ، وما قبله لا حكم له .

فإذا كان الشخص عارفا بالأوقات ومنازل القمر ، فترصده بحيث لا حائل ، فهو أول الصبح المعتبر .

قلت : هذا الثاني هو الصحيح ، بل إنكار تصوره غلط . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية