صفحة جزء
[ ص: 386 ] باب .

صوم التطوع .

من شرع في صوم تطوع ، أو صلاة تطوع ، لم يلزمه الإتمام ، لكن يستحب . فلو خرج منهما ، فلا يجب القضاء ، لكن يستحب ، ثم إن خرج لعذر ، لم يكره ، وإلا كره على الأصح .

ومن العذر ، أن يعز على من ضيفه امتناعه من الأكل . ولو شرع في صوم القضاء الواجب ، فإن كان على الفور ، لم يجز الخروج منه ، وإلا فوجهان .

أحدهما : يجوز ، قاله القفال ، وقطع به الغزالي ، وصاحب " التهذيب " وطائفة . وأصحهما : لا يجوز ، وهو المنصوص في " الأم " وبه قطع الروياني في " الحلية " وهو مقتضى كلام الأكثرين ، لأنه صار متلبسا بالفرض ولا عذر ، فلزمه إتمامه ، كما لو شرع في الصلاة أول الوقت .

وأما صوم الكفارة ، فما لزم منه بسبب محرم ، فهو كالقضاء الذي على الفور . وما لزم بسبب غير محرم ، كقتل الخطأ ، فهو كالقضاء الذي على التراخي . وكذا النذر المطلق .

وهذا كله مبني على المذهب ، وهو انقسام القضاء إلى واجب على الفور ، وعلى التراخي . فالأول : ما تعدى فيه بالإفطار ، فيحرم تأخير قضائه . قال في " التهذيب " : حتى يحرم عليه التأخير بعذر السفر . وأما الثاني : فما لم يتعد به ، كالفطر بالحيض والسفر والمرض ، فقضاؤه على التراخي ما لم يحضر رمضان السنة المقبلة .

وقال بعض أصحابنا العراقيين : القضاء على التراخي في المتعدي وغيره .

[ ص: 387 ] فصل

صوم التطوع ، منه ما يتكرر بتكرر السنين ، ومنه ما يتكرر بتكرر الشهور ، ومنه ما يتكرر بتكرر الأسبوع . فمن الأول ، يوم عرفة ، فيستحب صومه لغير الحجيج ، وينبغي للحجيج فطره . وأطلق كثيرون كراهة صومه لهم .

فإن كان شخص لا يضعف بالصوم عن الدعاء وأعمال الحج ، ففي " التتمة " أن الأولى له الصوم . وقال غيره : الأولى أن لا يصوم بحال .

قلت : قال البغوي وغيره : يوم عرفة أفضل أيام السنة . وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب " الطلاق " التصريح بذلك مع غيره ، في تعليق الطلاق على أفضل الأيام . والله أعلم .

ومنه يوم عاشوراء ، وهو عاشر المحرم ، ويستحب أن يصوم معه تاسوعاء ، وهو التاسع . وفيه معنيان . أحدهما : الاحتياط حذرا من الغلط في العاشر .

والثاني : مخالفة اليهود فإنهم يصومون العاشر فقط . فعلى هذا ، لو لم يصم التاسع معه ، استحب أن يصوم الحادي عشر .

ومنه ستة أيام من شوال ، والأفضل أن يصومها متتابعة متصلة بالعيد .

ومن الثاني : أيام البيض ، وهي : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر .

قلت : هذا هو المعروف فيها . ولنا وجه غريب حكاه الصيمري ، والماوردي ، والبغوي ، وصاحب " البيان " : أن الثاني عشر بدل الخامس عشر ، فالاحتياط صومهما . والله أعلم .

ومن الثالث : يوم الاثنين والخميس . ويكره إفراد الجمعة بالصوم ، وإفراد السبت . [ ص: 388 ] فرع

أطلق صاحب " التهذيب " في آخرين أن صوم الدهر مكروه .

وقال الغزالي : هو مسنون ، وقال الأكثرون : إن خاف منه ضررا ، أو فوت به حقا ، كره . وإلا ، فلا . والمراد : إذا أفطر أيام العيد والتشريق . ولو نذر صوم الدهر ، لزم وكانت الأعياد و [ أيام ] التشريق وشهر رمضان وقضاؤه مستثناة .

فإن فرض فوات بعذر أو بغيره ، فهل تجب الفدية لما أخل به من النذر بسبب القضاء ؟ قال أبو القاسم الكرخي : فيه وجهان ، وقطع به في " التهذيب " : بأنه لا فدية .

ولو نذر صوما آخر بعد هذا النذر ، لم ينعقد . ولو لزمه صوم كفارة ، صام عنها وفدى عن النذر . ولو أفطر يوما من الدهر ، لم يمكن قضاؤه ، ولا فدية إن كان بعذر ، وإلا فتجب الفدية . ولو نذرت المرأة صوم الدهر ، فللزوج منعها ، ولا قضاء ولا فدية ، وإن أذن لها ، أو مات فلم تصم ، لزمها الفدية .

قلت : ومن المسنون ، صوم عشر ذي الحجة ، غير العيد ، والصوم من آخر كل شهر . وأفضل الأشهر للصوم بعد رمضان ، الأشهر الحرم ، ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب . وأفضلها : المحرم ، ويلي المحرم في الفضيلة ، شعبان .

وقال صاحب " البحر " : رجب أفضل من المحرم ، وليس كما قال . قال أصحابنا : لا يجوز للمرأة صوم تطوع وزوجها حاضر ، إلا بإذنه . وممن صرح به : صاحبا " المهذب " و " التهذيب " . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية