صفحة جزء
[ ص: 389 ] كتاب الاعتكاف .

الاعتكاف سنة مؤكدة ، ويستحب في جميع الأوقات ، وفي العشر الأواخر من رمضان آكد ، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وطلبا لليلة القدر .

ومن أراد هذه السنة ، فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين ، حتى لا يفوته شيء ، ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد . ولو مكث ليلة العيد إلى أن يصلي ، أو يخرج منه إلى العيد ، كان أفضل .

فرع

ليلة القدر أفضل ليالي السنة ، خص الله تعالى بها هذه الأمة ، وهي باقية إلى يوم القيامة . ومذهبنا ومذهب جمهور العلماء : أنها في العشر الأواخر من رمضان ، وفي أوتارها أرجى .

وميل الشافعي إلى أنها ليلة الحادي والعشرين . وقال في موضع : إلى ثلاث وعشرين . وقال ابن خزيمة من أصحابنا : هي ليلة منتقلة في ليالي العشر ، تنتقل كل سنة إلى ليلة ، جمعا بين الأخبار .

قلت : وهذا منقول عن المزني أيضا ، وهو قوي . ومذهب الشافعي : أنها تلزم ليلة بعينها . والله أعلم .

[ ص: 390 ] وعلامة هذه الليلة ، أنها طلقة ، لا حارة ولا باردة ، وأن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء ، ليس لها كثير شعاع . ويستحب أن يكثر فيها من قول : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني .

قلت : قال صاحب " البحر " : قال الشافعي - رحمه الله - في القديم : أستحب أن يكون اجتهاده في يومها ، كاجتهاده في ليلتها . وقال في القديم : من شهد العشاء والصبح ليلة القدر ، فقد أخذ بحظه منها . والله أعلم .

ولو قال لزوجته : أنت طالق ليلة القدر . قال أصحابنا : إن قاله قبل رمضان ، أو فيه قبل مضي أول ليالي العشر ، طلقت بانقضاء ليالي العشر ، وإن قاله بعد مضي بعض لياليها ، لم تطلق إلى مضي سنة . هكذا نقل الشيخ أبو إسحاق في " المهذب " ، وإمام الحرمين وغيرهما .

وأما قول الغزالي : لو قال لزوجته في منتصف رمضان : أنت طالق ليلة القدر ، لم تطلق حتى تمضي سنة ، لأن الطلاق لا يقع بالشك . ونقل في " الوسيط " هذا عن نص الشافعي . فاعلم أنه لا يعرف اعتبار مضي سنة في هذه المسألة إلا في كتب الغزالي .

وقوله : الطلاق لا يقع بالشك ، مسلم ، لكن يقع بالظن الغالب .

قال إمام الحرمين : الشافعي - رحمه الله - متردد في ليالي العشر ، ويميل إلى بعضها ميلا لطيفا ، وانحصارها في العشر ثابت عنده بالظن القوي ، وإن لم يكن مقطوعا به ، والطلاق يناط وقوعه بالمذاهب المظنونة .

واعلم أن الغزالي قال : وقيل : إن ليلة القدر في جميع شهر رمضان . وهذا لا تكاد تجده في شيء من كتب المذهب .

قلت : قد قال المحاملي وصاحب " التنبيه " : تطلب ليلة القدر في جميع شهر رمضان .

وقول الإمام الرافعي في أول المسألة : طلقت بانقضاء ليالي العشر ، فيه تجوز [ ص: 391 ] تابع فيه صاحب " المهذب " وغيره . وحقيقته : طلقت في أول الليلة الأخيرة من العشر . وكذا قوله : إن قاله بعد مضي بعض لياليها ، لم تطلق إلى مضي سنة ، فيه تجوز ، وذلك أنه قد يقول لها في آخر اليوم الحادي والعشرين ، فلا يقف وقوع الطلاق على سنة كاملة ، بل يقع في أول الليلة الحادي والعشرين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية