صفحة جزء
النوع الخامس : الجماع . وهو مفسد للحج إن وقع قبل التحللين ، سواء قبل الوقوف وبعده . وإن وقع بينهما ، لم يفسد على المذهب : وحكي وجه : أنه يفسد . وقول قديم : أنه يخرج إلى أدنى الحل ، ويجدد منه إحراما ، ويأتي بعمل عمرة . وتفسد العمرة أيضا بالجماع قبل التحلل . وقد قدمنا أنه ليس لها إلا تحلل واحد فإن قلنا : الحلق نسك ، فهو مما يقف التحلل عليه ، وإلا فلا . واللواط كالجماع . وكذا إتيان البهيمة على الصحيح .

فرع

ما سوى الحج والعمرة من العبادات لا حرمة لها بعد الفساد ، ويخرج منها بالفساد . وأما الحج والعمرة ، فيجب المضي في فاسدهما ، وهو إتمام ما كان يعمله لولا الفساد .

[ ص: 139 ] فرع

يجب على مفسد الحج [ بالجماع ] بدنة . وعلى مفسد العمرة أيضا بدنة على الصحيح ، و [ على ] الثاني : شاة . ولو جامع بين التحللين ، وقلنا : لا يفسد ، لزمه شاة على الأظهر ، وبدنة على الثاني . وفيه وجه : أنه لا شيء عليه ، وهو شاذ منكر . ولو أفسد حجه بالجماع ، ثم جامع ثانيا ، ففيه خلاف تجمعه أقوال . أظهرها : يجب بالجماع الثاني شاة . والثاني : بدنة . والثالث : لا شيء فيه . والرابع : إن كان كفر عن الأول ، فدى الثاني ، وإلا فلا . والخامس : إن طال الزمان بين الجماعين ، أو اختلف المجلس فدى [ عن ] الثاني ، وإلا فلا .

فرع

يجب على مفسد الحج القضاء بالاتفاق سواء كان الحج فرضا أو تطوعا ، ويقع القضاء عن المفسد . فإن كان فرضا وقع عنه ، وإن كان تطوعا فعنه . ولو أفسد القضاء بالجماع لزمه الكفارة ، ولزمه قضاء واحد . ويتصور القضاء في عام الإفساد ، بأن يحصر بعد الإفساد ويتعذر عليه المضي في الفاسد ، فيتحلل ثم يزول الحصر والوقت باق ، فيشتغل بالقضاء . وفي وقت القضاء وجهان . أصحهما : على الفور . والثاني : على التراخي . فإن كان أحرم في الأداء قبل الميقات من دويرة أهله أو غيرها لزمه أن يحرم في القضاء من ذلك الموضع . فإن جاوزه غير محرم لزمه دم . كالميقات الشرعي . وإن كان أحرم من الميقات أحرم منه في القضاء . وإن كان أحرم بعد مجاوزة الميقات ، نظر إن جاوزه مسيئا لزمه في القضاء الإحرام من الميقات الشرعي ، وليس له أن يسئ ثانيا . وهذا [ ص: 140 ] معنى قول الأصحاب : يحرم في القضاء من أغلظ الموضعين من الميقات ، أو من حيث أحرم في الأداء . وإن جاوزه غير مسيء ، بأن لم يرد النسك ، ثم بدا له ، فأحرم ثم أفسد فوجهان . أصحهما وبه قطع صاحب " التهذيب " وغيره : أن عليه أن يحرم في القضاء من الميقات الشرعي . والثاني : له أن يحرم من ذلك الموضع ليسلك بالقضاء مسلك الأداء . ولهذا لو اعتمر من الميقات ، ثم أحرم بالحج من مكة ، وأفسده كفاه في القضاء أن يحرم من نفس مكة .

ولو أفرد الحج ثم أحرم بالعمرة من أدنى الحل ، ثم أفسدها ، كفاه أن يحرم في قضائها من أدنى الحل . والوجهان فيمن لم يرجع إلى الميقات . أما لو رجع ثم عاد ، فلا بد من الإحرام من الميقات . ولا يجب أن يحرم بالقضاء في الزمن الذي أحرم منه بالأداء ، بل له التأخير عنه ، بخلاف المكان . والفرق أن اعتناء الشرع بالميقات المكاني أكمل ، فإن مكان الإحرام يتعين بالنذر ، وزمانه لا يتعين . حتى لو نذر الإحرام في شوال له تأخيره . وأظن أن هذا الاستشهاد لا يخلو من نزاع .

قلت : ولا يلزمه في القضاء ، أن يسلك الطريق الذي سلكه في الأداء بلا خلاف ، لكن يشترط إذا سلك غيره أن يحرم من قدر مسافة الإحرام في الأداء . - والله أعلم - .

فرع

لو كانت المرأة محرمة أيضا ، نظر إن جامعها مكرهة أو نائمة ، لم يفسد حجها . وإن كانت طائعة عالمة فسد . وحينئذ ، هل يجب على كل واحد منهما بدنة ؟ أم يجب على الزوج فقط بدنة عن نفسه ؟ أم عليه بدنة عنه وعنها ؟ فيه ثلاثة أقوال ، كالصوم . وقطع قاطعون بإلزامها البدنة . وإذا خرجت الزوجة للقضاء [ ص: 141 ] ، فهل يلزم الزوج ما زاد من النفقة بسبب السفر ؟ وجهان . أصحهما : يلزمه . وإذا خرجا للقضاء معا ، استحب أن يفترقا من حين الإحرام . فإذا وصلا إلى الموضع الذي أصابها فيه ، فقولان . قال في الجديد : لا تجب المفارقة . وقال في القديم : تجب .

فرع

ذكرنا في كون القضاء على الفور وجهين . قال القفال : هما جاريان في كل كفارة وجبت بعدوان ؛ لأن الكفارة في وضع الشرع ، على التراخي كالحج . والكفارة بلا عدوان ، على التراخي قطعا . وأجرى الإمام الخلاف في المتعدي بترك الصوم . وقد سبق في كتاب الصوم انقسام قضاء الصوم إلى الفور والتراخي . قال الإمام : والمتعدي بترك الصلاة لزمه قضاؤها على الفور بلا خلاف . وذكر غيره وجهين . أصحهما : هذا . والثاني : أنها على التراخي . وربما رجحه العراقيون . وأما غير المتعدي ، فالمذهب : أنه لا يلزمه القضاء على الفور ، وبهذا قطع الأصحاب . وفي " التهذيب " وجه : أنه يلزمه على الفور ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " فليصلها إذا ذكرها " .

فرع

يجوز للمفرد بأحد النسكين إذا أفسده أن يقضيه مع الآخر قارنا ، وأن يتمتع . ويجوز للمتمتع والقارن القضاء على سبيل الإفراد . ولا يسقط دم القران بالقضاء على سبيل الإفراد . وإذا جامع القارن قبل التحلل الأول ، فسد نسكاه ، وعليه بدنة واحدة ، لاتحاد الإحرام ، ويلزمه دم القران مع البدنة على المذهب [ ص: 142 ] ، وبه قطع الجمهور . وقيل : وجهان . ثم إذا اشتغل بقضائهما ، فإن قرن أو تمتع ، فعليه دم آخر ، وإلا فقد أشار الشيخ أبو علي إلى خلاف فيه ، ومال إلى أنه لا يجب شيء آخر .

قلت : المذهب : وجوب دم آخر إذا أفرد في القضاء ، وبه قطع الجمهور . وممن قطع به الشيخ أبو حامد ، والماوردي والمحاملي ، والقاضي أبو الطيب في كتابيه ، والمتولي ، وخلائق آخرون ، وهو مراد الإمام الرافعي بقوله في أوائل هذا الفرع : لا يسقط دم القران ، لكنه ناقضه بهذه الحكاية عن أبي علي . - والله أعلم - .

وإن جامع بعد التحلل الأول ، لم يسقط واحد من نسكيه ، سواء كان أتى بأعمال العمرة ، أم لا . وفيه وجه قاله الأودني : أنه إذا لم يأت بشيء من أعمال العمرة ، كسدت عمرته . وهذا شاذ ضعيف ؛ لأن العمرة في القران تتبع الحج . ولهذا يحل للقارن معظم محظورات الإحرام بعد التحلل الأول وإن لم يأت بأعمال العمرة ولو قدم القارن مكة ، وطاف وسعى ، ثم جامع بطل نسكاه ، وإن كان بعد أعمال العمرة .

فرع

إذا فات القارن الحج لفوات الوقوف ، فهل يحكم بفوات عمرته ؟ قولان . أظهرهما : نعم ، تبعا للحج ، كما تفسد بفساده . والثاني : لا لأنه يتحلل بعملها . فإن قلنا بفواتها ، فعليه دم واحد للفوات ، ولا يسقط دم القران . وإذا قضاهما ، فالحكم على ما ذكرناه في قضائهما عند الإفساد . إن قرن أو تمتع فعليه الدم ، وإلا فعلى الخلاف .

[ ص: 143 ] فرع

جميع ما ذكرناه هو في جماع العامد العالم بالتحريم .

فأما إذا جامع ناسيا ، أو جاهلا بالتحريم ، فقولان . الأظهر : الجديد : لا يفسد . والقديم : يفسد . ولو أكره على الوطء ، فقيل : وجهان ، بناء على الناسي ، وقيل : يفسد قطعا بناء على أن إكراه الرجل على الوطء ممتنع . ولو أحرم عاقلا ثم جن فجامع ، فيه القولان في الناسي .

فرع

لو أحرم مجامعا . فأوجه . أحدها : ينعقد صحيحا . فإن نزع في الحال ، فذاك وإلا فسد نسكه ، وعليه البدنة ، والمضي في فاسده والقضاء . والثاني : ينعقد فاسدا وعليه القضاء والمضي في فاسده سواء مكث ، أو نزع . ولا تجب البدنة إن نزع في الحال وإن مكث وجبت شاة في قول ، وبدنة في قول كما سبق في نظائره . والثالث : لا ينعقد أصلا كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث .

قلت : هذا الثالث : أصحها . - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية