صفحة جزء
فصل

المحظورات ، تنقسم إلى استهلاك ، كالحلق ، وإلى استمتاع ، كالطيب . وإذا باشر محظورين . فله أحوال .

أحدها : أن يكون أحدهما استهلاكا ، والآخر استمتاعا ، فينظر ، إن لم يستند إلى سبب واحد ، كحلق الرأس ، ولبس القميص ، تعددت الفدية كالحدود المختلفة . وإن استند إلى سبب ، كمن أصابت رأسه شجة واحتاج إلى حلق جوانبها وسترها بضماد فيه طيب ، تعددت أيضا على الأصح . والثاني : تتداخل .

الحال الثاني : أن يكونا استهلاكا ، وهذا ثلاثة أضرب : أحدها : أن يكون مما يقابل بمثله ، وهو الصيود فتعدد الفدية ، سواء فدى عن الأول ، أم لا ، اتحد المكان ، أو اختلف ، والى بينهما أو فرق ، كضمان المتلفات .

الضرب الثاني : أن يكون أحدهما مما يقابل بمثله ، والآخر ليس مقابلا ، كالصيد والحلق ، فحكمه حكم الضرب الأول بلا خلاف .

الضرب الثالث : أن لا يقابل واحد منهما ، فينظر ، إن اختلف نوعهما ، كالحلق والقلم ، تعددت ، سواء فرق أو والى في مكان أو مكانين ، بفعلين أم بفعل ، كمن لبس ثوبا مطيبا ، فإنه يلزمه فديتان . وفي هذه الصورة وجه ضعيف : أنه فدية واحدة .

[ ص: 171 ] قلت : الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور : أن من لبس ثوبا مطيبا وطلى رأسه بطيب ستره بكفيه ،

[ فعليه ] فدية واحدة ، لاتحاد الفعل وتبعية الطيب . والله أعلم .

وإن اتحد النوع ، بأن حلق فقط ، فقد سبق ، أن حلق ثلاث شعرات ، فيه فدية كاملة . ولو حلق جميع الرأس دفعة في مكان واحد ، ففدية فقط . ولو حلق شعر رأسه وبدنه متواصلا ، ففدية على الصحيح . وقال الأنماطي : فديتان . ولو حلق رأسه في مكانين أو مكان ، في زمانين متفرقين ، فالمذهب : التعدد . وقيل : هو كما لو اتحد نوع الاستمتاع ، واختلف المكان أو الزمان ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى . ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أمكنة ، أو ثلاثة أزمنة متفرقة ، فإن قلنا : كل شعرة تقابل بثلث دم ، فلا فرق بين حلقها دفعة أو دفعات . وإن قلنا : الشعرة بمد أو درهم ، والشعرتان بمدين أو درهمين ، بني على الخلاف الذي ذكرناه الآن . فإن لم نعدد الفدية فيما إذا حلق الرأس في دفعات ، ولم نجعل لتفرق الزمان أثرا ، فالواجب دم . وإن عددنا وجعلنا التفريق مؤثرا ، قطعنا حكم كل شعرة عن الأخريين ، وأوجبنا ثلاثة أمداد في قول ، وثلاثة دراهم في قول .

الحال الثالث : أن يكون استمتاعا . فإن اتحد النوع ، بأن تطيب بأنواع من الطيب ، أو لبس أنواعا ، كالعمامة ، والقميص ، والسراويل ، والخف ، أو نوعا واحدا مرة بعد أخرى ، نظر ، إن فعل ذلك في مكان على التوالي ، لم تتعدد الفدية ، ولا يقدح في التوالي طول الزمان في مضاعفة القمص وتكوير العمامة .

وإن فعل ذلك في مكانين ، أو مكان ، وتخلل زمان ، نظر ، إن لم يتخلل التكفير ، فقولان . الجديد : يجب للثاني فدية أخرى . والقديم : يتداخل . فإن قلنا بالجديد فجمعهما سبب واحد ، بأن تطيب ، أو لبس مرارا لمرض واحد ، فوجهان .

[ ص: 172 ] أصحهما : التعدد . وإن تحلل ، وجبت فدية أخرى بلا خلاف . فإن

[ كان ] نوى بما أخرجه الماضي والمستقبل جميعا ، بني على جواز تقديم الكفارة على الحنث المحظور . إن قلنا : لا يجوز ، فلا أثر لهذه النية . وإن جوزناه ، فوجهان . أحدهما : أن الفدية كالكفارة في جواز التقديم ، فلا يلزمه للثاني شيء . والثاني : المنع . أما إذا اختلف النوع ، بأن لبس وتطيب ، فالأصح : التعدد ، وإن اتحد الزمان ، والمكان ، والسبب . والثاني : التداخل . والثالث : إن اتحد السبب ، تداخل ، وإلا فلا . هذا كله في غير الجماع ، فإن تكرر الجماع ، فقد سبق حكمه .

قلت : لا يتعدد الجزاء ، بتعدد جهة التحريم إذا اتحد الفعل كما سبق في محرم قتل صيدا حرميا وأكله ، لزمه جزاء واحد . ولو باشر امرأته مباشرة توجب شاة لو انفردت ، ثم جامعها ، ففي وجه : يكفيه البدنة عنهما . ووجه : تجب شاة وبدنة . ووجه : إن قصد بالمباشرة الشروع في الجماع ، فبدنة ، وإلا فشاة وبدنة . ووجه : إن طال الفصل ، فشاة وبدنة ، وإلا فبدنة . والأول : أصح . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية