صفحة جزء
السبب الثالث : الحاجة إلى الماء ، لعطش ونحوه . فيه مسائل :

أحدها : إذا وجد ماء واحتاج إليه لعطشه ، أو عطش رفيقه ، أو حيوان محترم في الحال ، أو في المآل بعوض ، أو بغيره ، جاز التيمم . وذكر إمام الحرمين ، والغزالي : ترددا في التزود لعطش رفيقه . والمذهب : القطع بجوازه . وضبط الحاجة يقاس بما سيأتي في ( المرض المبيح ) إن شاء الله تعالى .

وللعطشان أن يأخذه من صاحبه قهرا ، إذا لم يبذله .

وغير المحترم من الحيوان ، هو الحربي ، والمرتد ، والخنزير ، والكلب العقور ، وسائر الفواسق الخمس ، وما في معناها . ولا يكلف أن يتوضأ بالماء ، ثم يجمعه ويشربه على المذهب . قال أبو علي الزجاجي - بضم الزاي - والماوردي وآخرون : من كان معه ماءان : طاهر ، ونجس ، وعطش ، توضأ بالطاهر ، وشرب النجس .

قلت : ذكر الشاشي كلام الماوردي هذا ، ثم أنكره ، واختار : أنه يشرب الطاهر ويتيمم ، وهذا هو الصحيح ، وهذا الخلاف فيما بعد دخول الوقت ، أما قبله ، فيشرب الطاهر بلا خلاف . صرح به الماوردي وغيره . قال المتولي : ولو كان يرجو وجود الماء في غده ولا يتحققه ، فهل له التزود ؟ وجهان . الأصح : جوازه . والله أعلم .

المسألة الثانية : قال الشافعي - رحمه الله - : إذا مات رجل له ماء ورفقته عطاش ، شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه . وصورة المسألة : أنهم رجعوا إلى البلد ، وأراد بالثمن القيمة ، موضع الإتلاف ووقته . وقيل : أراد مثل القيمة .

[ ص: 101 ] الثالثة : إذا أوصى ، أو وكل بصرف ماء إلى أولى الناس به ، فحضر ميت ، وجنب ، وحائض ، ومن على بدنه نجاسة ، ومحدث ، فالميت وصاحب النجاسة أولاهم ، والميت أولاهما على الأصح . فلو كان على الميت أيضا نجاسة ، فهو أولى قطعا . ولا يشترط لاستحقاق الميت قبول وارث ، كما لو تطوع إنسان بكفنه ، وفيه وجه شاذ : أنه يشترط . ولو مات اثنان ، أحدهما قبل الآخر ، وكان قبل موتهما ماء يكفي أحدهما ، فالأول أولى . فإن ماتا معا ، أو وجد الماء بعد موتهما ، فأفضلهما أولى ، فإن استويا أقرع بينهما . أما إذا اجتمع الجنب والحائض ، فثلاثة أوجه .

الأصح : الحائض أولى . والثاني : الجنب . والثالث : سواء . فعلى هذا ، إن طلب أحدهما القسمة ، والآخر القرعة ، فإن لم نوجب استعمال الناقص ، أقرع . وإن أوجبناه ، أقرع على الأصح . وعلى الثاني : يقسم . وإن اتفقا على القسمة ، جاز إن أوجبنا استعمال الناقص ، وإلا فلا . ولو اجتمع جنب ومحدث ، فإن كان الماء يكفي للوضوء دون الغسل ، فالمحدث أولى إن لم نوجب استعمال الناقص ، وإن أوجبناه ، فأوجه . الأصح : المحدث أولى . والثاني : الجنب . والثالث : سواء . وإن لم يكف واحدا منهما ، فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله ، وإلا فهو كالمعدوم . وإن كفى وفضل عن الوضوء شيء دون الغسل ، فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص ، وإن أوجبناه . فعلى الأوجه الثلاثة . أصحها : الجنب أولى . وإن فضل عن كل واحد ، أو لم يفضل عن واحد ، أو كفى الجنب دون المحدث ، فالجنب أولى قطعا . ولو انتهى هؤلاء المحتاجون إلى ماء مباح ، واستووا في إحرازه وإثبات اليد عليه ، ملكوه بالسوية ، ولا يجوز لأحد أن يبذل نصيبه لغيره ، وإن كان أحوج منه وإن كان ناقصا ، إلا إذا قلنا : لا يجب استعمال الناقص . كذا قاله إمام الحرمين ، والغزالي . وقال أكثر الأصحاب : إن المستحب تقديم الأحوج فالأحوج كالوصية ، ولا منافاة بين الكلامين . وأراد الأصحاب : أن المستحب تقديم الأحوج ، وأنهم لو تنازعوا ، كان كما قاله [ ص: 102 ] إمام الحرمين . ويمكن أن ينازعهم في الاستحباب ويقول : لا يجوز العدول عن ماء يتمكن منه للطهارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية