صفحة جزء
النوع الثاني من أحكام الأضحية : في عيبها . وفيه مسائل .

إحداها : لو قال : جعلت هذه الشاة ضحية ، أو نذر التضحية بشاة معينة ، فحدث بها قبل وقت التضحية عيب يمنع ابتداء التضحية ، لم يلزمه شيء بسببه كتلفها . ولا تنفك هي عن حكم الأضحية ، بل تجزئه عن التضحية ، ويذبحها في وقتها . وفي وجه : لا تجزئه ، بل عليه التضحية بسليمة ، وهو شاذ ضعيف . فعلى الصحيح : لو خالف فذبحها قبل يوم النحر ، تصدق باللحم ، ويلزمه أيضا التصدق بقيمتها ، ولا يلزمه أن يشتري بها ضحية أخرى ، لأنها بدل حيوان لا يجوز التضحية به ابتداء . ولو تعيبت يوم النحر قبل التمكن من الذبح ، ذبحها وتصدق بلحمها ، وإن تعيبت بعد التمكن ، ذبحها وتصدق بلحمها ، وعليه ذبح بدلها ، وتقصيره بالتأخير كالتعييب .

الثانية : لو لزم ذمته ضحية بنذر ، أو هدي عن قران ، أو تمتع ، أو نذر ، فعين شاة عما في ذمته ، فحدث بها عيب قبل وقت التضحية ، أو قبل بلوغ المنسك ، جرى الخلاف السابق ، في أنها هل تتعين ؟ إن قلنا : لا ، فلا أثر لتعيينها . وإن قلنا : تتعين ، وهو الأصح ، فهل عليه ذبح سليمة ؟ فيه طريقان . وقيل : وجهان . وقطع الجمهور بالوجوب ؛ لأن الواجب في ذمته سليم ، فلا يتأدى بمعيب . وهل تنفك تلك المعينة عن الاستحقاق ؟ وجهان . أحدهما : يلزمه ذبحها والتصدق بلحمها ؛ لأنه التزمها بالتعيين . وأصحهما وهو المنصوص : لا تلزمه ، بل له تملكها وبيعها ؛ لأنه لم يلتزم التصدق بها ابتداء ، إنما عينها لأداء ما عليه ، وإنما يتأدى بها بشرط السلامة . ويقرب الوجهان من وجهين فيمن عين أفضل مما عليه ثم تعيب ، هل يلزمه رعاية تلك الزيادة في البدل ؟ ففي وجه : يلزم ، لالتزامه تلك الزيادة بالتعيين . والأصح : لا يلزم ، كما لو التزم معيبة ابتداء ، فهلكت بغير تعد منه .

[ ص: 217 ] الثالثة : إذا تعيب الهدي بعد بلوغ المنسك ، فوجهان . أحدهما : يجزئ ذبحه ؛ لأنه لما وصل موضع الذبح ، صار كالحاصل في يد المساكين ، ويكون كمن دفع الزكاة إلى الإمام ، فتلفت في يده ، فإنه يقع زكاة . وأصحهما : لا يجزئ ؛ لأنه في ضمانه ما لم يذبح . وقال في " التهذيب " : إن تعيب بعد بلوغ المنسك والتمكن من الذبح ، فالأصل في ذمته وهل يتملك المعين ، أم يلزمه ذبحه ؟ فيه الخلاف . وإن تعيب قبل التمكن ، فوجهان . أصحهما : أنه كذلك . والثاني : يكفيه ذبح المعيب والتصدق به . ويقرب من الوجهين الأولين الوجهان السابقان فيمن شد قوائم الشاة للتضحية ، فاضطربت وانكسرت رجلها . ورأى الإمام تخصيصهما بمن عين عن نذر في الذمة ، والقطع بعدم الإجزاء إن كانت تطوعا .

قلت : قال صاحب " البحر " : لو مات ، أو سرق بعد وصوله الحرم ، أجزأه على الوجه الأول . والله أعلم .

الرابعة : لو قال لمعيبة بعور ونحوه : جعلت هذه ضحية ، أو نذر أن يضحي بها ابتداء ، وجب ذبحها ، لالتزامه ، كمن أعتق عن كفارته معيبا ، يعتق ، ويثاب عليه وإن كان لا يجزئ عن الكفارة ، ويكون ذبحها قربة ، وتفرقة لحمها صدقة ولا تجزئ عن الهدايا والضحايا المشروعة ؛ لأن السلامة معتبرة فيها . وهل يختص ذبحها بيوم النحر ، وتجري مجرى الضحايا في المصرف ؟ وجهان : أحدهما : لا ، لأنها ليست أضحية ، بل شاة لحم . وأصحهما : نعم ؛ لأنه أوجبها باسم الأضحية ، ولا محمل لكلامه إلا هذا . فعلى هذا ، لو ذبحها قبل يوم النحر ، تصدق بلحمها ولا يأكل منه شيئا ، وعليه قيمتها يتصدق بها ، ولا يشتري أخرى لأن المعيب لا يثبت في الذمة ، قاله في " التهذيب " . ولو أشار إلى ظبية وقال : جعلت هذه ضحية ، فهو لاغ .

ولو أشار إلى فصيل أو سخلة وقال : هذه أضحية ، فهل هو كالظبية ، أم كالمعيب ؟ وجهان . أصحهما : الثاني . وإذا أوجبه معيبا ثم زال العيب ، [ ص: 218 ] فهل يجزئ ذبحه عن الأضحية ؟ وجهان : أصحهما : لا ؛ لأنه زال ملكه عنه وهو ناقص ، فلا يؤثر الكمال بعده ، كمن أعتق أعمى عن كفارته ، ثم عاد بصره . والثاني : يجوز ، لكماله وقت الذبح ، وحكى هذا قولا قديما .

الخامسة : لو كان في ذمته أضحية ، أو هدي ، بنذر أو غيره ، فعين معينة عما عليه ، لم تتعين ، ولا تبرأ ذمته بذبحها . وهل يلزمه بالتعيين ذبح المعينة ؟ نظر ، إن قال : عينت هذه عما في ذمتي ، لم يلزمه ، وإن قال : لله علي أن أضحي بهذه عما في ذمتي ، أو أهدي هذه ، أو قال : لله علي ذبحها عن الواجب في ذمتي ، لزمه على الأصح كالتزامه ابتداء ذبح معيبة ، ويكون كإعتاقه الأعمى عن الكفارة ، ينفذ ولا يجزئ . فعلى هذا ، هل يختص ذبحها بوقت التضحية إن كانت ضحية ؟ فيه الوجهان السابقان . ولو زال عيب المعينة المعيبة قبل ذبحها ، فهل تحصل البراءة ؟ فيه الوجهان السابقان .

السادسة : هذا الذي سبق ، كله فيما إذا تعيبت لا بفعله . فلو تعيبت المعينة ابتداء ، أو عما في الذمة بفعله ، لزمه ذبح صحيحة . وفي انفكاك المعيبة عن حكم الالتزام ، الخلاف السابق .

السابعة : لو ذبح الأضحية المنذورة يوم النحر ، أو الهدي المنذور بعد بلوغ المنسك ، ولم يفرق لحمه حتى فسد ، لزمه قيمة اللحم ، ويتصدق بها ، ولا يلزمه شراء أخرى ؛ لأنه حصلت إراقة الدم . وكذا لو غصب اللحم غاصب وتلف عنده ، أو أتلفه متلف ، يأخذ القيمة ويتصدق بها .

الثامنة : لو نذر التضحية بمعيبة غير معينة ، كقوله : لله علي أن أضحي بشاة عرجاء ، فثلاثة أوجه : أصحها فيما يقتضيه كلام الغزالي : يلزمه ما التزم . والثاني : يلزمه صحيحة . والثالث : لا يلزمه شيء . ويشبه أن يكون الحكم في لزوم ذبحها ، والتصدق بلحمها ، وفي أنها ليست من الضحايا وفي أن [ ص: 219 ] مصرفها ، هل هو مصرف الضحايا ، على ما سبق فيمن قال : جعلت هذه المعيبة ضحية . ولو التزم التضحية بظبية ، أو فصيل ، ففيه الترتيب الذي تقدم في المعينة . ويشبه أن يجيء الخلاف في قوله : لله علي أن أضحي بظبية ، وإن لم يذكر خلاف في قوله : جعلت هذه الظبية ضحية .

التالي السابق


الخدمات العلمية