الشرط الخامس : 
كون المبيع معلوما   . ولا يشترط العلم به من كل وجه ، بل يشترط العلم بعين المبيع وقدره وصفته . أما العين ، فمعناه : أنه لو 
قال : بعتك عبدا من العبيد ، أو أحد عبدي أو عبيدي هؤلاء ، أو شاة من هذا القطيع ،   
[ ص: 361 ] فهو باطل . وكذا لو قال : بعتهم ، إلا واحدا ، مبهما . وسواء تساوت قيمة العبيد والشياه ، أم لا ، وسواء قال : ولك الخيار في التعيين ، أم لا . وحكى في " التتمة " قولا قديما : أنه لو 
قال : بعتك أحد عبيدي ، أو عبيدي الثلاثة ، على أن تختار من شئت في ثلاثة أيام أو أقل ، صح العقد ، وهذا شاذ ضعيف . ولو 
كان له عبد فاختلط بعبيد لغيره ، فقال : بعتك عبدي من هؤلاء ، والمشتري يراهم ولا يعرف عينه   . قال في " التتمة " : له حكم بيع الغائب . وقال صاحب " التهذيب " : عندي أنه باطل . 
فرع   : 
بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة ، من دار ، وأرض ، وعبد ، وصبرة ، وثمرة ، وغيرها ، صحيح . لكن لو باع جزءا شائعا من شيء بمثله من ذلك الشيء ، كالدار والفرس ، [ كما إذا كان ] بينهما نصفان ، باع نصفه بنصف صاحبه ، فوجهان . 
أحدهما : لا يصح البيع ، لعدم الحاجة إليه . وأصحهما : يصح ، لوجود شرائطه ، وله فوائد : 
منها : لو كانا جميعا أو أحدهما ملك نصيبه بالهبة من أبيه ، انقطعت ولاية الرجوع . 
ومنها : لو ملكه بالشراء ، ثم اطلع بعد هذا التصرف على عيب ، لم يملك الرد على بائعه . 
ومنها : لو ملكته بالصداق ، فطلقها قبل الدخول ، لم يكن له الرجوع فيه . 
قلت : ولو باع نصفه بالثلث من نصف صاحبه ، ففي صحته الوجهان . أصحهما : الصحة ، ويصير بينهما أثلاثا ، وبهذا قطع صاحب " التقريب " ، واستبعده الإمام . وقد ذكر الإمام  
الرافعي  هذه المسألة في كتاب " الصلح " . والله أعلم . 
ولو 
باع الجملة ، واستثنى منها جزءا شائعا ، جاز . مثاله : بعتك ثمرة هذا البستان ، إلا ربعها وقدر الزكاة منها . ولو قال : بعتك ثمرة هذا البستان بثلاثة   
[ ص: 362 ] آلاف درهم ، إلا ما يخص ألفا ، فإن أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور ، صح ، وكان استثناء للثلث . وإن أراد ما يساوي ألفا عند التقويم ، فلا ؛ لأنه مجهول . 
فرع   : 
إذا 
باع أذرعا من أرض أو دار أو ثوب ، فإن كانا يعلمان جملة ذرعانها ، بأن باع ذراعا من عشرة ، ويعلمان أن الجملة عشرة ، صح على الصحيح ، وكأنه باعه العشر . قال الإمام : إلا أن يعني معينا فيبطل ، كشاة من القطيع . ولو اختلفا ، فقال المشتري : أردت الإشاعة ، فالعقد صحيح . وقال البائع : بل أردت معينا ، ففيمن يصدق ؟ احتمالان . 
قلت : أرجحهما : البائع . والله أعلم . 
وإن كان أحدهما لا يعلم جملة الذرعان ، لم يصح البيع . ولو وقف على طرف الأرض وقال : 
بعتك كذا ذراعا من موقفي هذا في جميع العرض إلى حيث ينتهي في الطول ، صح على الأصح . 
فرع : 
إذا 
قال : بعتك صاعا من هذه الصبرة ، فله حالان . 
أحدهما : أن يعلما مبلغ صيعانها فالعقد صحيح قطعا ، وينزل على الإشاعة . ولو كانت الصبرة مائة صاع ، فالمبيع عشر العشر ، فلو تلف بعضها ، تلف بقدره من المبيع . هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور . وحكى الإمام في تنزيله وجهين . 
أحدهما : هذا . والثاني : المبيع صاع من الجملة غير مشاع ، أي صاع كان . فعلى هذا ، يبقى المبيع ما بقي صاع .  
[ ص: 363 ] الحال الثاني : أن لا يعلما أو أحدها مبلغ صيعانها ، فوجهان . 
أحدهما ، وهو اختيار  
القفال     : لا يصح ، كما لو فرق صيعان الصبرة ، وقال : بعتك صاعا منها ، فإنه لا يصح . وأصحهما : يصح وهو المنصوص . وفي فتاوى  
القفال     : أنه كان إذا سئل عن هذه المسألة ، يفتي بهذا الثاني مع ذهابه إلى الأول ، ويقول : المستفتي يستفتيني عن مذهب  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي     - رضي الله عنه - ، لا عما عندي . وعلى هذا ، المبيع صاع منها ، أي صاع كان . فلو تلف جميعها إلا صاعا ، تعين العقد فيه ، والبائع بالخيار بين أن يسلم صاعا من أعلى الصبرة أو أسفلها وإن لم يكن الأسفل مرئيا ؛ لأن رؤية ظاهر الصبرة كرؤية كلها . 
قلت : وأما استدلال الأول بأنه لو فرقت صيعانها فباع صاعا لم يصح ، فهكذا قطع به الجمهور . وحكى صاحب " المهذب " في تعليقه في الخلاف عن شيخه القاضي  
أبي الطيب  صحة بيعه ، لعدم الغرر . والصحيح : المنع . والله أعلم . 
فرع   : 
إبهام ممر الأرض المبيعة ، كإبهام نفس المبيع . وصورته : أن يبيع أرضا محفوفة بملكه من جميع الجوانب ، ويشرط للمشتري حق الممر من جانب ، ولم يعينه ، فالبيع باطل ؛ لاختلاف الغرض بالممر . فإن عين الممر من جانب ، صح البيع . ولو قال : بعتكها بحقوقها ، صح ، وثبت للمشتري حق الممر من كل جانب كما كان ثابتا للبائع قبل البيع . وإن أطلق البيع ولم يتعرض للممر ، فوجهان . أصحهما : يصح ، ويكون كما لو قال : بعتكها بحقوقها . والثاني : أنه لا يقتضي الممر ، فعلى هذا هو كما لو صرح بنفي الممر ، وفيه وجهان . أصحهما : بطلان البيع ، لعدم الانتفاع في الحال ، والثاني : الصحة ؛ لإمكان تحصيل الممر ، وقال في " التهذيب " : إن أمكن تحصيل ممر ، صح البيع ، وإلا ، فلا . ولو   
[ ص: 364 ] كانت الأرض المبيعة ملاصقة للشارع ، فليس للمشتري سلوك ملك البائع ، فإن العادة في مثلها الدخول من الشارع ، فينزل الأمر عليه . ولو كانت ملاصقة ملك المشتري ، لم يتمكن من المرور فيما بقي للبائع ، بل يدخل من ملكه القديم . وأبدى الإمام فيه احتمالا ، قال : وهذا إذا أطلق البيع ، أما إذا قال : بحقوقها ، فله الممر في ملك البائع . ولو 
باع دارا واستثنى لنفسه بيتا فله الممر ، فإن نفى الممر ، نظر ، إن أمكن اتخاذ ممر ، صح البيع ، وإلا ، فوجهان . 
قلت : أصحهما : البطلان كمن 
باع ذراعا من ثوب ينقص بالقطع   . والله أعلم .