صفحة جزء
فصل

إذا باع مالا بمال ، فله حالان .

أحدهما : أن لا يكونا ربوبين . والثاني : أن يكونا . فالحال الأول يشمل ما إذا لم يكن فيهما ربوي ، وما إذا كان أحدهما ربويا .

وعلى التقديرين في هذا الحال ، لا تجب رعاية التماثل ، ولا الحلول ، ولا التقابض في المجلس ، سواء اتفق الجنس ، أو اختلف . حتى لو باع حيوانا بحيوانين من جنسه ، أو أسلم ثوبا في ثوبين من جنسه ، جاز . وأما الحال الثاني : فتارة يكونان ربويين بعلتين ، وتارة بعلة . فإن كانا بعلتين ، لم تجب رعاية التماثل ولا التقابض ولا الحلول .

ومن صوره : أن يسلم أحد النقدين في الحنطة ، أو يبيع الحنطة بالذهب أو بالفضة ، نقدا ، أو نسيئة وإن كانا بعلة . فإن اتحد الجنس ، بأن باع الذهب بالذهب ، والحنطة بالحنطة ، ثبتت أحكام الربا الثلاثة ، فتجب رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس . وإن اختلف الجنس ، كالحنطة بالشعير ، والذهب بالفضة ، لم تعتبر المماثلة ، ويعتبر الحلول والتقابض في المجلس .

[ ص: 381 ] فرع :

حيث اعتبرنا التقابض ، فتفرقا قبله ، بطل العقد . ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين ، ثم تفرقا ، بطل فيما لم يقبض . وفي المقبوض قولا تفريق الصفقة . والتخاير في المجلس قبل التقابض ، كالتفرق ، فيبطل العقد . وقال ابن سريج : لا يبطل . والصحيح : الأول . ولو وكل أحدهما وكيلا بالقبض ، فقبض قبل مفارقة الموكل المجلس ، جاز ، وبعده لا يجوز .

فرع :

قد سبق : بيع مال الربا بجنسه مع زيادة لا يجوز . فلو أراد بيع صحاح بمكسرة ، أو غير ذلك مع الزيادة ، فله طرق .

منها : أن يبيع الدراهم بالدنانير ، أو بعرض . فإذا تقابضا وتخايرا ، أو تفرقا ، اشترى منه الدراهم المكسرة بالدنانير أو العرض ، فيصح ذلك ، سواء اتخذه عادة ، أم لا . ولو اشترى المكسرة بالدنانير ، أو العرض الذي اشتراه منه قبل قبضه ، لم يجز . وإن كان بعد قبضه وقبل التفرق والتخاير ، جاز على المذهب ، بخلاف ما لو باعه لغير بائعه قبل التفرق والتخاير ، فإنه لا يجوز ، لما فيه من إسقاط خيار العاقد الآخر ، وهنا يحصل بتبايعهما الثاني إجازة الأول .

ومنها : أن يقرض صاحبه الصحاح ، ويستقرض منه المكسرة ، ثم يبرئ كل واحد منهما صاحبه .

[ ص: 382 ] ومنها : أن يهب كل واحد ماله للآخر .

ومنها : أن يبيع الصحاح بوزنها مكسورة ، ويهبه صاحب المكسورة الزيادة ، فجميع هذه الطرق جائزة ، إذا لم يشرط في إقراضه وهبته وبيعه ما يفعله الآخر .

قلت : هذه الطرق وإن كانت جائزة عندنا ، فهي مكروهة إذا نويا ذلك . ودلائل الكراهة أكثر من أن تحصى . والله أعلم .

فرع :

لو باع نصفا شائعا من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة ، جاز ، ويسلم إليه الدينار ليحصل تسليم النصف ، ويكون النصف الآخر أمانة في يد القابض ، بخلاف ما لو كان له عشرة عليه ، فأعطاه عشرة عددا فوزنت ، فكانت أحد عشر ، كان الدينار الفاضل للدافع على الإشاعة ، ويكون مضمونا على القابض ؛ لأنه قبضه لنفسه . ثم إذا سلم الدراهم الخمسة ، فله أن يستقرضها ويشتري بها النصف الآخر . ولو باعه كل الدينار بعشرة ، وليس معه إلا خمسة ، فدفعها إليه ، واستقرض منه خمسة أخرى ، فقبضها وردها إليه عن الثمن ، جاز ، ولو استقرض الخمسة المدفوعة ، لم يكف على الأصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية