صفحة جزء
فصل

معيار الشرع الذي ترعى المماثلة به ، هو الكيل والوزن . فالمكيل لا يجوز بيع بعضه ببعض وزنا ، ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت وزنا . والموزون لا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ، ولا يضر مع الاستواء في الوزن التفاوت كيلا . [ ص: 383 ] والذهب والفضة ، موزونان . والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والملح ، ونحوها ، مكيلة ، وكل ما كان مكيلا بالحجاز على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهو مكيل ، وما كان موزونا ، فموزون . فلو أحدث الناس خلاف ذلك ، فلا اعتبار بإحداثهم . فلو كان الملح قطعا كبارا ، فوجهان . أحدهما : يسحق ويباع كيلا ، فإنه الأصل . وأصحهما : يباع وزنا اعتبارا بهيئته في الحال . وكذا كل شيء يتجافى في الكيل ، يباع بعضه ببعض وزنا ، وما لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو كان ولم يعلم هل كان يكال ، أم يوزن ؟ أو علم أنه كان يوزن مرة ويكال أخرى ، ولم يكن أحدهما أغلب ، قال المتولي : إن كان أكبر جرما من التمر ، اعتبر فيه الوزن ، وإن كان مثله أو أصغر ، ففيه أوجه . أصحها : تعتبر عادة الوقت في بلد البيع . والثاني : عادة الوقت في أكثر البلاد . فإن اختلفت ولا غالب ، اعتبرنا شبه الأشياء به . والثالث : يعتبر الوزن . والرابع : الكيل . والخامس : يعتبر بأشبه الأشياء به . والسادس : يتخير بين الكيل والوزن ، وهو ضعيف . ثم منهم من خص هذا الخلاف بما إذا لم يكن للشيء أصل معلوم العيار . أما إذا استخرج ما هذا حاله من أصل . فهو معتبر بأصله . ومنهم من أطلق ، قال الإمام : وسواء المكيال المعتاد في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وسائر المكاييل المحدثة بعده ، كما أنا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفتي الميزان ، تكتفي به وإن لم نعرف قدر ما في كل كفة . وفي الكيل بالقصعة ونحوها مما لا يعتاد الكيل به ، تردد للقفال . والأصح الجواز . والوزن بالطيار والقرسطون وزن . وأما الماء ، فقد يتأتى به الوزن ، بأن يوضع الشيء في ظرف ويلقى في الماء ، وينظر قدر غوصه ، لكنه ليس وزنا شرعيا ولا عرفيا ، فالظاهر : أنه لا يجوز التعويل عليه في الربويات .

قلت : قد عول أصحابنا عليه في أداء المسلم فيه ، وفي الزكاة ، في مسألة الإناء بعضه ذهب وبعضه فضة ، وقد ذكرناه في بابه ، ولكن الفرق ظاهر . والله أعلم .

[ ص: 384 ] فرع :

هذا الذي ذكرناه ، كله في مقدر يباع بجنسه . أما ما لا يقدر بكيل ولا وزن ، كالبطيخ ، والقثاء ، والرمان ، والسفرجل ، فإن قلنا بالقديم : إنه لا ربا فيها، جاز بيع بعضها ببعض كيف شاء ، حتى قال القفال : لو جفف شيء منها ، وكان يوزن في جفافه ، فلا ربا فيه أيضا ؛ لأنه لا ربا فيه في أكمل أحواله وهو حال الرطوبة . قال الإمام : والظاهر جريان الربا فيه ، فإنه في حال الجفاف مطعوم مقدر . وإن قلنا بالجديد : إن فيه الربا ، جاز بيعه بغير جنسه كيف شاء . وأما بجنسه ، فينظر ، إن كان مما يجفف ، كالبطيخ الذي يفلق ، وحب الرمان الحامض ، وكل ما يجفف من الثمار ، وإن مقدرا كالمشمش ، والخوخ ، والكمثرى الذي يفلق ، لم يجز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة ، ويجوز حال الجفاف على الصحيح . وعلى الشاذ : لا يجوز ، إذ ليس له حال كمال . وإن كان مما لا يجفف ، كالقثاء ونحوه ، فهل يجوز بيع بعضه ببعض في حال رطوبته ؟ فيه وفي المقدرات التي لا تجفف ، كالرطب الذي لا يتتمر ، والعنب الذي لا يتزبب ، قولان . أظهرهما : لا يجوز ، كالرطب بالرطب . والثاني : يجوز ، كاللبن باللبن . فعلى هذا ، إن لم يمكن كيله ، كالبطيخ والقثاء ، بيع وزنا . وإن أمكن ، كالتفاح والتين ، فيباع كيلا أو وزنا ؟ وجهان . أصحهما : وزنا ، ولا بأس على الوجهين بتفاوت العدد .

فرع :

لو أراد شريكان قسمة ربوي ، فإن قلنا بالأظهر : إن القسمة بيع ، لم يجز [ ص: 385 ] قسمة المكيل وزنا ، ولا الموزون كيلا . وما لا يباع بعضه ببعض ، كالرطب والعنب ، لا يقسم أصلا . وإن قلنا : القسمة إفراز ، جاز قسمة المكيل وزنا وعكسه ، وجاز قسمة الرطب ونحوه وزنا . ولا يجوز قسمة غير الرطب والعنب خرصا . ويجوز قسمتهما خرصا إذا قلنا : إفراز . وقيل : لا يجوز . والأول هو الأصح المنصوص .

فرع :

لا يجوز بيع الربوي بجنسه جزافا ، ولا بالتخمين والتحري . فلو باع صبرة حنطة بصبرة ، أو دراهم بدراهم جزافا ، وخرجتا متماثلتين ، لم يصح العقد ؛ لأن التساوي شرط . وشرط العقد يعتبر العلم به عند العقد . ولهذا ، لو نكح امرأة لا يعلم أهي أخته ، أم معتدة ، أم لا ؟ لم يصح النكاح ، وسواء جهلا الصبرتين أو إحداهما . ولو قال : بعتك هذه الصبرة بهذه مكايلة ، أو كيلا بكيل ، أو هذه الدراهم بتلك موازنة ، أو وزنا بوزن ، فإن كالا ، أو وزنا ، وخرجتا سواء ، صح العقد ، وإلا ، لم يصح على الأظهر . وعلى الثاني : يصح في الكبيرة بقدر ما يقابل الصغيرة ، ولمشتري الكبيرة الخيار . وحيث صححنا ، فتفرقا بعد تقابض الجملتين ، وقبل الكيل والوزن ، لم يبطل العقد على الأصح . ولو قال : بعتك هذه الصبرة بكيلها من صبرتك ، وصبرة المخاطب أكبر ، صح . ثم إن كالا في المجلس وتقابضا ، تم العقد . وإن تقابضا الجملتين وتفرقا قبل الكيل ، فعلى الوجهين . ولو باع صبرة حنطة بصبرة شعير جزافا ، جاز ، ولو باعها بها صاعا بصاع ، أو بصاعين ، فهو كما لو كانتا من جنس واحد .

قلت : قال أكثر أصحابنا : إذا باع صبرة حنطة بصبرة شعير ، صاعا بصاع ، وخرجتا متساويتين ، صح . وإن تفاضلتا ، فرضي صاحب الزائدة بتسليم الزيادة ، تم [ ص: 386 ] البيع ، ولزم الآخر قبولها . وإن رضي صاحب الناقصة بقدرها من الزائدة ، أقر العقد . وإن تشاحا ، فسخ البيع . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية