صفحة جزء
فصل

في الحال الذي تعتبر فيه المماثلة ، الربوي ضربان . ما يتغير من حال إلى حال ، وما لا يتغير . [ ص: 389 ] فالمتغير ، تعتبر المماثلة في بيع الجنس منه بالجنس في أكمل أحواله . فمنه : الفواكه ، فتعتبر المماثلة حال الجفاف خاصة ، فلا يجوز بيع الرطب بتمر ولا رطب ، ولا بيع العنب بعنب ولا زبيب ، وكذا كل ثمرة لها حال جفاف ، كالتين ، والمشمش ، والخوخ ، والبطيخ والكمثرى اللذين يفلقان ، والإجاص ، والرمان الحامض ، لا يباع رطبها برطبها ولا بيابسها . وحكي وجه في المشمش والخوخ ، وما لا يعم تجفيفه عموم تجفيف الرطب : أنه يجوز بيعها بعضها ببعض في حال الرطوبة ؛ لأنها أكمل أحوالها . وهذا الوجه شاذ . ويجوز بيع الجديد بالعتيق ، إلا أن تبقى في الجديد نداوة بحيث يظهر أثر زوالها في المكيال . وأما ما ليس له حال جفاف ، كالعنب الذي لا يتزبب ، والرطب الذي لا يتتمر ، والبطيخ والكمثرى اللذين لا يفلقان ، والرمان الحلو ، والباذنجان ، والقرع ، والبقول ، فقد سبق أنه لا يجوز بيع بعضها ببعض على الأظهر . وجوز المزني بيع الرطب بالرطب ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد - رضي الله عنهم - . ويستثنى من بيع الرطب بالتمر ، صورة العرايا ، وستأتي إن شاء الله تعالى .

فرع :

يجوز بيع الحنطة بالحنطة بعد التنقية من القشر والتبن ، ما دامت على هيأتها بعد تناهي جفافها . فإذا بطلت تلك الهيئة خرجت عن الكمال فلا يجوز بيع الحنطة بشيء مما يتخذ منها من المطعومات ، كالدقيق ، والسويق ، والخبز ، والنشا ، ولا بما فيه شيء مما يتخذ من الحنطة ، كالمصل ففيه الدقيق ، والفالوذج ففيه النشا . وكذا لا يجوز بيع الأشياء بعضها ببعض ، لخروجها عن حال الكمال . هذا هو المذهب والمشهور . وحكي قول : أنه يجوز بيع الحنطة بالدقيق كيلا ، وجعل إمام الحرمين هذا القول ، في أن الحنطة والدقيق جنسان يجوز التفاضل فيهما . ويشبه أن يكون منفردا بهذه الرواية . وحكى البويطي والمزني قولا : أنه يجوز [ ص: 390 ] بيع الدقيق بالدقيق ، كالدهن بالدهن . وحكي قول في جواز بيع الخبز الجاف المدقوق بمثله كيلا . وقول : أن الحنطة مع السويق جنسان . وكل هذه الأقوال شاذة . ولا يجوز بيع الحنطة المقلية ولا المبلولة بمثلها ولا بغيرها . وإن جففت المبلولة ، لم يجز أيضا ؛ لتفاوت جفافها ، والحنطة التي فركت وأخرجت من السنابل ولم يتم جفافها ، كالمبلولة . والنخالة ليست ربوية ، وكذا الحنطة المسوسة التي لم يبق فيها شيء من اللب ، فيجوز بيعها بالحنطة وبعضها ببعض متفاضلا .

فرع :

السمسم وغيره من الحبوب التي تتخذ منها الأدهان حال كمالها ما دامت على هيأتها كالأقوات ، فلا يجوز بيع طحينها بطحينها ، كالدقيق بالدقيق . وأما دهنها المستخرج ، فكامل ، فيجوز بيع بعضه ببعض متماثلا على الصحيح . وقيل : لا يجوز لما يطرح فيه من ملح ونحوه .

فرع :

قد يكون للشيء حالتا كمال ، كالزبيب والخل كاملان ، وأصلهما العنب . وكذا العصير ، كامل على الأصح ، فيجوز بيع عصير العنب بعصير العنب ، وعصير الرطب بعصير الرطب . والمعيار فيه وفي الدهن الكيل . ويجوز بيع الكسب بالكسب وزنا إن لم يكن فيه خلط . فإن كان ، لم يجز .

[ ص: 391 ] فرع :

الأدهان المطيبة ، كدهن الورد ، والبنفسج ، والنيلوفر ، كلها مستخرجة من السمسم . فإذا قلنا : يجري فيها الربا ، جاز بيع بعضها ببعض وإن ربى السمسم فيها ثم استخرج دهنه . وإن استخرج الدهن ثم طرحت أوراقها فيه ، لم يجز .

فرع :

عصير الرمان والتفاح وسائر الثمار ، كعصير العنب والرطب ، وكذا عصير قصب السكر . ويجوز بيع خل الرطب ، بخل الرطب ، وخل العنب ، بخل العنب كيلا . ولا يجوز بيع خل الزبيب بمثله ، ولا خل التمر بمثله ؛ لأن فيهما ماء ، فيمتنع العلم بالمماثلة . ولا يجوز بيع خل العنب بخل الزبيب ، ولا خل الرطب بخل التمر ؛ لأن في أحدهما ماء . ولا يجوز بيع خل الزبيب بخل التمر إذا قلنا : الماء ربوي .

قلت : فإن قلنا : الماء غير ربوي ، فمقتضى كلام الرافعي جوازه ، وبه صرح الجمهور . وقيل : فيه القولان ، فيمن جمع بين عقدين مختلفي الحكم ؛ لأن الخلين يشترط فيهما القبض في المجلس ، بخلاف الماءين . وممن ذكر هذا الطريق - البغوي في كتابه " التعليق في شرح مختصر المزني " . وهذا الطريق هو الصواب ، ولعل الأصحاب اقتصروا على أصح القولين ، وهو أنه يجوز جمع مختلفي الحكم . والله أعلم .

ويجوز بيع خل الزبيب بخل الرطب ، وخل التمر بخل العنب ؛ لأن الماء في أحد الطرفين ، والمماثلة بين الخلين غير معتبرة ، تفريعا على الصحيح أنهما جنسان .

[ ص: 392 ] فرع :

اللبن كامل ، فيباع بعضه ببعض ، سواء فيه الحليب ، والحامض ، والرائب الخاثر ، ما لم يكن مغليا بالنار ، فيباع بعضها ببعض كيلا . ولا مبالاة بكون ما يحويه المكيال من الخاثر أكثر وزنا ؛ لأن الاعتبار بالكيل ، كالحنطة الصلبة بالرخوة . وفي كلام الإمام ما يقتضي جواز الكيل والوزن جميعا . ويجوز بيع السمن بالسمن كيلا إن كان ذائبا ، ووزنا إن كان جامدا ، قاله في " التهذيب " ، وهو توسط بين وجهين أطلقهما العراقيون . المنصوص : أنه يوزن . وقال أبو إسحاق : يكال . ويجوز بيع المخيض بالمخيض ، إذا لم يكن فيهما ماء . ومال المتولي إلى المنع . والمذهب : الجواز . ولا يجوز بيع الأقط بالأقط ، ولا المصل بالمصل ، ولا الجبن بالجبن ، ولا يجوز بيع الزبد بالزبد ، ولا بالسمن على الأصح . ولا يجوز بيع اللبن بما اتخذ منه ، كالسمن والمخيض وغيرهما .

فرع :

الربوي المعروض على النار ، ضربان .

أحدهما : المعروض للعقد والطبخ ، كالدبس واللحم المشوي ، فلا يجوز بيع الدبس بالدبس ، والسكر بالسكر ، والفانيذ بالفانيذ ، واللبأ باللبأ ، على الأصح في الجميع . ولا يجوز بيع قصب السكر بقصب السكر ، ولا بالسكر ، كالرطب بالرطب ، وبالتمر . أما اللحم ، إذا بيع بجنسه ، فإن كانا طريين ، أو أحدهما ، لم يجز على الصحيح . وإن كانا مقددين ، جاز ، إلا أن يكون فيهما ، أو في أحدهما من الملح ما يظهر في الوزن . ويشترط أن يتناهى جفافه ، بخلاف [ ص: 393 ] التمر ، فإنه يباع الجديد منه بالعتيق وبالجديد ؛ لأنه مكيل ، وأثر الرطوبة الباقية ، لا تظهر في المكيال ، واللحم موزون ، فيظهر أثر الرطوبة في الوزن . هذا إذا لم يكن اللحم مطبوخا ولا مشويا . فأما المطبوخ ، فلا يجوز بيعهما بمثلهما ولا بالنيء .

الضرب الثاني : المعروض للتمييز والتصفية ، فهو كامل ، فيجوز بيع بعضه ببعض ، كالسمن . وفي العسل المصفى بالنار ، وجهان . أصحهما : أنه كامل كالمصفى بالشمس ، ومعياره معيار السمن . ولا يجوز بيع الشهد بالشهد ، ولا بالعسل . ويجوز بيع الشمع بالعسل وبالشهد ؛ لأن الشمع ليس ربويا .

فرع :

التمر إذا نزع نواه ، بطل كماله ؛ لأنه يسرع إليه الفساد . فلا يجوز بيع منزوع النوى بمثله ، ولا بغير منزوعه على الصحيح . وقيل : يجوز فيهما . وقيل : يجوز بمثله فقط . ومفلق المشمش ، والخوخ ، ونحوهما ، لا يبطل كماله بنزع النوى على الأصح . ولا يبطل كمال اللحم بنزع عظمه ؛ لأنه لا يتعلق صلاحه ببقائه . وهل يشترط نزع العظم في جواز بيع بعضه ببعض ؟ وجهان . أصحهما عند الأكثرين : الاشتراط . والثاني : يسامح به . فعلى هذا يجوز بيع لحم الفخذ بالجنب ، ولا يضر تفاوت العظام ، كما لا يضر تفاوت النوى .

[ ص: 394 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية