صفحة جزء
باب تفريق الصفقة

إذا جمع شيئين في صفقة ، فهو ضربان :

أحدهما : أن يجمع بينهما في عقد واحد .

والثاني : في عقدين مختلفي الحكم . أما الأول : فله حالان .

أحدهما : أن يقع التفريق في الابتداء . والثاني : أن يقع في الانتهاء .

فالحال الأول : ينظر ، إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع ، بطل العقد في الجميع ، كمن جمع بين أختين ، أو خمس نسوة في عقد نكاح . وإن لم يكن كذلك ، فإما أن يجمع بين شيئين كل واحد منهما قابل لما أورده عليه من العقد ، وإما أن لا يكون كذلك . فإن كان الأول بأن جمع بين عينين في البيع ، صح العقد فيهما . ثم إن كانا من جنسين كعبد وثوب ، أو من جنس ، لكنهما مختلفا القيمة كعبدين ، وزع الثمن عليهما باعتبار القيمة . وإن كانا من جنس ومتفقي القيمة كقفيزي حنطة واحدة ، وزع عليهما باعتبار الأجزاء . وإن كان الثاني فإما أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد ، كمن باع خمرا وميتة ، فالعقد باطل ، وإما أن يكون أحدهما قابلا فالذي هو غير قابل قسمان .

أحدهما : أن يكون متقوما ، كمن باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة ، ففي [ ص: 423 ] صحة البيع في عبده قولان . أظهرهما : يصح ، واختاره المزني . والثاني : لا يصح . وفي علته وجهان . وقيل : قولان .

أحدهما : الجمع بين حلال وحرام . والثاني : جهالة العوض الذي يقابل الحلال .

والقسم الثاني : أن لا يكون متقوما ، وهو نوعان .

أحدهما : يتأتى تقدير التقويم فيه من غير تقدير تغير الخلقة ، كمن باع حرا وعبدا ، فالحر غير متقوم ، لكن يمكن تقديره رقيقا . وفي المسألة طريقان . أصحهما : طرد القولين . والثاني : القطع بالفساد . قال الشيخ أبو محمد : القولان على الطريق الأول فيما إذا كان المشتري جاهلا بالحال . فإن كان عالما فالوجه : القطع بالبطلان . ولو باع عبده ومكاتبه ، أو أم ولده ، فهو كما لو باع عبده وعبد غيره ؛ لأنهما متقومان بدليل الإتلاف .

النوع الثاني : أن لا يتأتى تقدير تقويمه من غير فرض تغير الخلقة ، كمن باع خلا وخمرا ، أو مذكاة وميتة ، أو شاة وخنزيرا ، ففي صحة البيع في الخل والمذكاة والشاة خلاف مرتب على العبد مع الحر ، وأولى بالفساد ؛ لأنه لا بد في التقويم من التقدير بغيره ، ولا يكون المقوم هو المذكور في العقد . ولو رهن عبده وعبد غيره ، أو حرا وعبدا ، أو وهبهما ، فإن صححنا البيع ، فهنا أولى ، وإلا فقولان بناء على العلتين . ولو زوج أخته وأجنبية ، أو مسلمة ومجوسية ، فكالرهن والهبة . الحال الثاني : أن يقع التفريق في الانتهاء ، وهو قسمان .

أحدهما : أن لا يكون اختياريا ، كمن اشترى عبدين ، فتلف أحدهما قبل قبضهما ، انفسخ البيع في التالف ، وفي الباقي طريقان .

أحدهما : على القولين في جمع عبده وعبد غيره . وأصحهما : القطع بأنه لا ينفسخ ؛ لعدم العلتين . ولو تفرقا في السلم وبعض رأس المال غير مقبوض ، أو في [ ص: 424 ] الصرف وبعض العوض غير مقبوض انفسخ العقد في غير المقبوض . وفي الباقي الطريقان . فلو قبض أحد العبدين وتلف الآخر في يد البائع ، ترتب الانفساخ في المقبوض على الصور السابقة ، وهذه أولى بعدم الانفساخ ؛ لتأكد العقد فيه بانتقال الضمان إلى المشتري . هذا إن كان المقبوض باقيا في يد المشتري . فإن تلف في يده ، ثم تلف الآخر في يد البائع ، فالقول بالانفساخ أضعف ؛ لتلفه على ضمانه . وإذا قلنا بعدم الانفساخ ، فهل له الفسخ ؟ وجهان .

أحدهما : نعم ، ويرد قيمته . والثاني : لا ، وعليه حصته من الثمن . ولو اكترى دارا وسكنها بعض المدة ، ثم انهدمت ، انفسخ العقد في المستقبل ، ويخرج في الماضي على الخلاف في المقبوض التالف . فإن قلنا : لا ينفسخ ، فهل له الفسخ ؟ فيه الوجهان . فإن قلنا : لا فسخ ، فعليه من المسمى ما يقابل الماضي . وإن قلنا بالفسخ ، وفسخ ، فعليه أجرة المثل للماضي . ولو انقطع بعض المسلم فيه عند المحل والباقي مقبوض ، أو غير مقبوض ، وقلنا : لو انقطع الكل ، ينفسخ العقد ، انفسخ في المنقطع . وفي الباقي الخلاف فيما إذا تلف أحد الشيئين قبل قبضهما . فإذا قلنا : لا ينفسخ ، فله الفسخ . فإن أجاز ، فعليه حصته من رأس المال فقط . وإن قلنا : إنه لو انقطع الكل لم ينفسخ العقد ، فالمسلم بالخيار ، إن شاء فسخ العقد في الكل ، وإن شاء أجازه في الكل . وهل له الفسخ في القدر المنقطع والإجازة في الباقي ؟ قولان ، بناء على ما سنذكره في القسم الذي يليه .

القسم الثاني : أن يكون اختياريا ، كمن اشترى عبدين صفقة واحدة ، فوجد بأحدهما عيبا ، فهل له إفراده بالرد ؟ قولان . أظهرهما : ليس له ، وبه قطع الشيخ أبو حامد . والقولان في العبدين وكل شيئين لا تتصل منفعة أحدهما بالآخر . فأما في زوجي خف ومصراعي باب ونحوهما ، فلا يجوز الإفراد قطعا . وشذ بعضهم ، فطرد القولين ، ولا فرق على القولين بين أن يتفق ذلك بعد القبض [ ص: 425 ] أو قبله . فإن لم نجوز الإفراد ، فقال : رددت المعيب ، فهل يكون ذلك ردا لهما ؟ أصحهما : لا ، بل هو لغو . ولو رضي البائع بإفراده ، جاز على الأصح . وإذا جوزنا الإفراد فرده ، استرد قسطه من الثمن . وعلى هذا القول ، لو أراد رد السليم والمعيب جميعا فله ذلك على الصحيح . ولو وجد العيب بالعبدين معا ، وأراد إفراد أحدهما بالرد ، جرى القولان . ولو تلف أحد العبدين أو باعه ، ووجد بالباقي عيبا ، ففي إفراده بالرد قولان مرتبان ، وأولى بالجواز ؛ لتعذر ردهما . فإن جوزنا الإفراد ، رد الباقي واسترد من الثمن حصته . وطريق التوزيع : تقدير العبدين سليمين ، وتقويمهما ، وتقسيط المسمى على القيمتين . فلو اختلفا في قيمة التالف ، فادعى المشتري ما يقتضي زيادة المرجوع به على ما اعترف به البائع ، فالأظهر : أن القول قول البائع مع يمينه ؛ لأن الثمن ملكه ، فلا يسترد منه إلا ما اعترف به . وإن لم نجوز الإفراد ، فوجهان . وقيل : قولان . أصحهما : لا فسخ له ، ولكن يرجع بأرش العيب ؛ لأن الهلاك أعظم من العيب . ولو حدث عنده عيب لم يتمكن من الرد . فعلى هذا ، إن اختلفا في قيمة التالف عاد القولان . وهل النظر في قيمة التالف إلى يوم العقد ، أو يوم القبض ؟ فيه الخلاف الذي سيأتي في معرفة أرش العيب القديم . والوجه الثاني : أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ، ويردهما ويفسخ العقد . فإن اختلفا في قيمة التالف ، فالقول قول المشتري مع يمينه ؛ لأنه غارم . وفيه وجه شاذ : أن القول قول البائع ؛ لئلا تزال يده عما لم يعترف به .

فرع :

لو باع شيئا يتوزع الثمن على أجزائه ، بعضه له كعبد ، أو صاع حنطة له نصفها ، أو صاعي حنطة له أحدهما ، صفقة واحدة ، ترتب على ما إذا باع عبدين [ ص: 426 ] أحدهما له . فإن قلنا : يصح هناك في ملكه ، فهنا أولى ، وإلا فقولان . إن عللنا بالجمع بين حلال وحرام ، لم يصح ، وإن عللنا بالجهالة صح ؛ لأن حصة المملوك معلومة . ولو باع جميع الثمار وفيها الزكاة ، فهل يصح البيع في قدر الزكاة ؟ سبق بيانه في كتاب " الزكاة " . فإن قلنا : لا يصح فالترتيب في الباقي كما ذكرنا فيمن باع عبدا له نصفه . ولو باع أربعين شاة فيها واجب الزكاة ، وقلنا : لا يصح بيع قدر الزكاة ، فالترتيب في الباقي كما سبق فيمن باع عبده وعبد غيره .

فرع :

ومما يتفرع على العلتين لو ملك زيد عبدا ، وعمرو آخر ، فباعاهما صفقة واحدة بثمن واحد ، ففي صحة العقد قولان . وكذا لو باع عبدين له لرجلين ، لكل واحد واحدا بعينه بثمن واحد ، إن عللنا بالجمع بين حلال وحرام صح ، وإن عللنا بالجهالة فلا ؛ لأن حصة كل واحد مجهولة . ولو باع عبده وعبد غيره وسمى لكل واحد ثمنا ، فقال : بعتك هذا بمائة ، وهذا بخمسين ، فإن عللنا بالجمع فسد ، وإن عللنا بالجهالة صح في عبده ، كذا قاله في " التتمة " . ولك أن تقول : سنذكر أن تفصيل الثمن من أسباب تعدد العقد ، وإن تعدد وجب القضاء بالصحة على العلتين .

فرع :

اعلم أن طائفة من الأصحاب توسطوا بين قولي تفريق الصفقة فقالوا : الأصح الصحة في المملوك إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على أجزائه . والأصح الفساد إن كان مما يتوزع على قيمته . وقال الأكثرون : الأصح الصحة في القسمين .

[ ص: 427 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية