صفحة جزء
[ ص: 429 ] فرع :

في الإشارة إلى طرف من مسائل الدور يتعلق بتفريق الصفقة

واعلم أن محاباة المريض مرض الموت في البيع والشراء ، حكمها حكم هبته وسائر تبرعاته ، تعتبر من الثلث . فإذا باع المريض عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ، ولا مال له غيره ، بطل البيع في بعض المبيع ، وفي الباقي طريقان . أصحهما عند الجمهور : أنه على قولي تفريق الصفقة . والثاني : القطع بالصحة ، وهو الأصح عند صاحب " التهذيب " ؛ لأن المحاباة هنا وصية ، وهي تقبل من الغرر ما لا يقبل غيرها . فإن صححنا بيع الباقي ، ففي كيفيته قولان . ويقال : وجهان .

أحدهما : يصح البيع في القدر الذي يحتمله الثلث ، والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ، ويبطل في الباقي ، فيصح في ثلثي العبد بالعشرة ، ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة ، والثمن وهو عشرة ، وذلك مثل المحاباة وهي عشرة . ولا تدور المسألة على هذا القول . والثاني : أنه إذا ارتد البيع في بعض المبيع ، وجب أن يرتد [ إلى ] المشتري ما يقابله من الثمن ، فتدور المسألة ؛ لأن ما ينفذ فيه البيع ، يخرج من التركة ، وما يقابله من الثمن ، يدخل فيها . ومعلوم أن ما ينفذ فيه البيع ، يزيد بزيادة التركة ، وينقص بنقصها . ويتوصل إلى معرفة المقصود بطرق .

منها أن ينسب ثلث المال إلى قدر المحاباة . ويصحح البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة .

فنقول في هذه الصورة : ثلث المال عشرة ، والمحاباة عشرون ، والعشرة نصف العشرين ، فيصح البيع في نصف العبد ، وقيمته خمسة عشر ، بنصف الثمن وهو خمسة ، كأنه اشترى سدسه بخمسة ، ووصى له بثلثه ، ويبقى مع الورثة [ ص: 430 ] نصف العبد ، وهو خمسة عشر ، والثمن وهو خمسة ، فالمبلغ عشرون . وذلك مثل المحاباة . واختلف الأصحاب في الأصح في هذين القولين أو الوجهين في الكيفية ، فذهب الأكثرون إلى ترجيح الأول ، وبه قال ابن الحداد . قال القفال والأستاذ أبو منصور البغدادي وغيرهما : هو المنصوص للشافعي - رضي الله عنه - . قالوا : والثاني خرجه ابن سريج . وذهب آخرون إلى ترجيح الثاني ، وهو اختيار أكثر الحساب ، وبه قال ابن القاص ، وابن اللبان ، وتابعهما إمام الحرمين ، وهذا أقوى في المعنى . ولو باع مريض صاع حنطة يساوي عشرين بصاع لصحيح يساوي عشرة ، ومات ولا مال له غيره ، فإن قلنا بالقول الأول ، فالبيع باطل فيهما بلا خلاف ؛ لأن مقتضاه صحة البيع في قدر الثلث وهو ستة وثلثان . وفيما يقابله من صاع الصحيح المشترى ، وهو نصفه فيكون خمسة أسداس صاع في مقابلة صاع ، وذلك ربا . وإن قلنا بالثاني ، صح البيع في ثلثي صاع المريض بثلثي صاع الصحيح ، وبطل في الباقي . وقطع قاطعون بهذا الثاني هنا ؛ لئلا يبطل غرض الميت في الوصية . قال في " التهذيب " : وهو الأصح . وطريقه : أن ثلث مال المريض ستة وثلثان ، والمحاباة عشرة ، والستة والثلثان ثلثا العشرة ، فنفذ البيع في ثلثي صاع ، ويثبت الخيار للصحيح ؛ لتبعيض صفقته ، ولا خيار لورثة الميت ؛ لئلا يبطلوا المحاباة التي هي وصية ، وهذا متفق عليه . وغلطوا صاحب " التلخيص " في إطلاقه قولين في ثبوت الخيار . ولو كانت المسألة بحالها ، وصاع المريض يساوي ثلاثين ، وقلنا : يتقسط الثمن ، صح البيع في نصف صاع بنصف صاع . ولو كانت بحالها وصاع المريض يساوي أربعين ، صح البيع في أربعة أتساع الصاع بأربعة أتساع الصاع . ولو أتلف المريض الصاع الذي أخذه ثم مات ، وفرعنا على القول الذي يجيء عليه الدور ، صح البيع في ثلثه بثلث صاع صاحبه ، سواء كانت قيمة صاع المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر ؛ لأن ما أتلفه قد نقص من ماله . أما ما صح البيع فيه [ ص: 431 ] فهو ملكه ، وقد أتلفه . وأما ما بطل فيه البيع ، فعليه ضمانه ، فينقص قدر الغرم من ماله . ومتى كثرت القيمة ، كان المصروف إلى الغرم أقل ، والمحاباة أكثر . ومتى قلت كان المصروف إلى الغرم أكثر ، والمحاباة أقل .

مثاله : كانت قيمة صاع المريض عشرين ، وصاع الصحيح عشرة ، فمال المريض عشرون ، وقد أتلف عشرة نحطها من ماله ، يبقى عشرة كأنها كل ماله ، والمحاباة عشرة ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فيصح البيع في ثلث الصاع ؛ لأن ثلث صاع المريض ستة وثلثان ، وثلث صاع الصحيح : ثلاثة وثلث ، فالمحاباة بثلاثة وثلث ، وقد بقي في يد الورثة ثلثا صاع ، وهو ثلاثة عشر وثلث ، يؤدون منه قيمة ثلثي صاع الصحيح ، وهو ستة وثلثان ، تبقى في أيديهم ستة وثلثان ، وهي مثلا المحاباة . فلو كانت بحالها وصاع المريض يساوي ثلاثين ، فمال المريض ثلاثون ، وقد أتلف عشرة نحطها من ماله ، يبقى عشرون كأنها كل ماله ، والمحاباة عشرون مثل ماله ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فصح البيع في ثلث صاع ؛ لأن ثلث صاع المريض عشرة ، وثلث صاع الصحيح ثلاثة وثلث ، فالمحاباة بستة وثلثين ، وقد بقي في يد الورثة ثلثا صاع ، وهو عشرون ، يؤدون منه قيمة ثلثي صاع الصحيح ، وهو ستة وثلثان ، يبقى في أيديهم ثلاثة عشر وثلث ، وهي مثلا المحاباة .

الضرب الثاني من جمع الصفقة : أن يجمع عقدين مختلفي الحكم . فإذا جمع في صفقة بين إجارة وسلم ، أو إجارة وبيع ، أو سلم وبيع عين ، أو صرف وغيره ، فقولان . أظهرهما : يصح العقد فيهما . والثاني : لا يصح في واحد منهما .

وصورة الإجارة والسلم : أجرتك داري سنة ، وبعتك كذا سلما بكذا .

وصورة الإجارة والبيع : بعتك عبدي وأجرتك داري سنة بكذا . ولو جمع بيعا ونكاحا ، فقال : زوجتك جاريتي هذه ، وبعتك عبدي هذا بكذا ، والمخاطب ممن يحل له نكاح الأمة ، أو قال : زوجتك بنتي ، وبعتك عبدها ، وهي في حجره أو رشيدة وكلته في بيعه ، صح النكاح بلا خلاف . وفي البيع والمسمى في [ ص: 432 ] النكاح القولان . فإن صححنا ، وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر المثل ، وإلا وجب في النكاح مهر المثل . ولو جمع بيعا وكتابة ، فقال لعبده : كاتبتك على نجمين ، وبعتك [ ثوبي ] هذا جميعا بألف ، فإن حكمنا بالبطلان في الصور السابقة ، فهنا أولى ، وإلا فالبيع باطل ، وفي الكتابة القولان .

فصل

محل القولين في مسائل الباب ، إذا اتحدت الصفقة دون ما إذا تعددت حتى لو باع ماله في صفقة ، ومال غيره في صفقة أخرى ، صح في ماله بلا خلاف . وأما بيان تعددها واتحادها ، فطريقه أن يقول : إذا سمى لكل واحد من الشيئين ثمنا مفصلا ، فقال : بعتك هذا بكذا ، وهذا بكذا ، فقبل المشتري كذلك على التفصيل ، فهما عقدان متعددان . ولو جمع المشتري في القبول ، فقال : قبلت فيهما ، فكذلك على المذهب ؛ لأن القبول يترتب على الإيجاب . فإذا وقع مفسرا ، فكذلك القبول . وقيل : إن الصفقة متحدة ، وهو شاذ وتتعدد الصفقة أيضا بتعدد البائع وإن اتحد المشتري والمعقود عليه ، كما إذا باع رجلان عبدا لرجل صفقة واحدة . وهل تتعدد بتعدد المشتري ، مثل أن يشتري رجلان من رجل عبدا ؟ فقولان . أظهرهما : تتعدد كالبائع . والثاني : لا ؛ لأن المشتري بان على الإيجاب السابق ، فالنظر إلى من أوجب العقد . وللتعدد والاتحاد فوائد غير ما ذكرنا .

منها : إذا حكمنا بالتعدد ، فوزن أحد المشتريين نصيبه من الثمن ، لزم البائع تسليم قسطه من المبيع بتسليم المشاع . وإن قلنا بالاتحاد ، لم يجب تسليم شيء إلى أحدهما وإن وزن جميع ما عليه ، حتى يزن الآخر ؛ لثبوت حق الحبس ، كما لو اتحد المشتري وسلم بعض الثمن ، لا يسلم إليه قسطه من المبيع . وفيه وجه : أنه يسلم إليه القسط إذا كان مما يقبل القسمة ، وهو شاذ .

[ ص: 433 ] ومنها : إذا قلنا بالتعدد فخاطب رجل رجلين فقال : بعتكما هذا العبد بألف ، فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة ، أو قال مالكا عبد لرجل : بعناك هذا العبد بألف ، فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة ، لم يصح على الأصح .

فرع :

إذا وكل رجلان رجلا في البيع أو الشراء وقلنا : الصفقة تتعدد بتعدد المشتري ، أو وكل رجلين في البيع أو الشراء ، فهل الاعتبار في تردد العقد واتحاده بالعاقد ، أو المعقود له ؟ فيه أوجه . أصحها عند الأكثرين : أن الاعتبار بالعاقد ، وبه قال ابن الحداد ؛ لأن أحكام العقد تتعلق به . ألا ترى أن المعتبر رؤيته دون رؤية الموكل ، وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل . والثاني : الاعتبار بالمعقود له ، قاله أبو زيد ، والخضري ، وصححه الغزالي في " الوجيز " ؛ لأن الملك له . والثالث : الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له ، وفي الشراء بالعاقد ، قاله أبو إسحاق المروزي . والفرق أن العقد يتم في الشراء بالمباشر دون المعقود له . ولهذا لو أنكر المعقود له الإذن في المباشرة وقع العقد للمباشر ، بخلاف طرف البيع . قال الإمام : وهذا الفرق فيما إذا كان التوكيل بالشراء في الذمة . فإن وكله بشراء عبد بثوب معين ، فهو كالتوكيل بالبيع . والرابع : الاعتبار في جانب الشراء بالموكل وفي البيع بهما جميعا ، فأيهما تعدد تعدد العقد اعتبارا بالشقص المشفوع ، فإن العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق الشفيع ، ولا يتعدد بتعدد الوكيل .

ويتفرع على هذه الأوجه مسائل .

منها : لو اشترى شيئا بوكالة رجلين ، فخرج معيبا ، فإن اعتبرنا العاقد ، فليس لأحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد ، كما لو اشترى ومات عن ابنين وخرج معيبا ، لم يكن لأحدهما إفراد نصيبه [ بالرد ] . وهل لأحد الموكلين والابنين أخذ [ ص: 434 ] الأرش ؟ إن وقع اليأس من رد الآخر بأن رضي به فنعم ، وإن لم يقع ، فكذلك على الأصح .

ومنها : لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد لهما ، أو وكل أحد الشريكين صاحبه ، فباع الكل ، ثم خرج معيبا ، فعلى الوجه الأول : لا يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما . وعلى الأوجه الأخر : يجوز . ولو وكل رجل رجلين في بيع عبده ، فباعاه لرجل فعلى الوجه الأول : يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما . وعلى الأوجه الأخر : لا يجوز . ولو وكل رجلان رجلا في شراء عبد ، أو وكل رجل رجلا في شراء عبد له ولنفسه ، ففعل ، وخرج العبد معيبا ، فعلى الوجه الأول والثالث : ليس لأحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد . وعلى الثاني والرابع : يجوز . وقال القفال : إن علم البائع أنه يشتري لهما ، فلأحدهما رد نصيبه لرضا البائع بالتشقيص . وإن جهله فلا .

ومنها : لو وكل رجلان رجلا في بيع عبد ، ورجلان رجلا في شرائه ، فتبايع الوكيلان ، فخرج معيبا ، فعلى الوجه الأول : لا يجوز التفريق . وعلى الوجوه الأخر : يجوز . ولو وكل رجل رجلين في بيع عبد ، ووكل رجل آخرين في شرائه ، فتبايع الوكلاء ، فعلى الوجه الأول : يجوز التفريق . وعلى الأوجه الأخر : لا يجوز .

التالي السابق


الخدمات العلمية