صفحة جزء
فصل

يجوز شرط الخيار للعاقدين ولأحدهما بالإجماع . ويجوز أن يشرط لأحدهما يوم ، وللآخر يومان أو ثلاثة . فإن شرطه لغيرهما ، فإن كان الغير أجنبيا ، فقولان . أحدهما : يفسد البيع . وأظهرهما : يصح البيع والشرط ، ويجري القولان في بيع العبد بشرط الخيار للعبد .

ولا فرق على القولين بين أن يشرطا جميعا أو أحدهما الخيار لشخص واحد ، وبين أن يشرط هذا الخيار لواحد وهذا لآخر . فإذا قلنا بالأظهر ، ففي ثبوت الخيار للشارط أيضا قولان أو وجهان . أظهرهما ، وهو ظاهر نصه في الصرف : أنه لا يثبت ، اقتصارا على الشرط . فإذا لم نثبت الخيار للعاقد مع الأجنبي ، فمات الأجنبي في زمن الخيار ، ثبت له الآن على الأصح . وإن أثبتنا الخيار للعاقد مع الأجنبي ، فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ . ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر ، فالفسخ أولى . ولو اشترى شيئا على أن يؤامر فلانا ، فيأتي بما يأمره به من الفسخ والإجازة ، فالمنصوص : أنه يجوز ، وليس له الرد حتى يقول : استأمرته ، فأمرني بالفسخ . [ ص: 449 ] وتكلموا فيه من وجهين ، أحدهما : أنه لماذا شرط أن يقول : استأمرته ؟ قال الذين خصوا الخيار المشروط للأجنبي به : هذا جواب على المذهب الذي قلناه ومؤيد له . وقال الآخرون : إنه مذكور احتياطا .

والوجه الثاني : أنه أطلق في التصوير شرط المؤامرة ، فهل يحتمل ذلك ؟ الصحيح : أنه لا يحتمل ، واللفظ محمول على ما إذا قيد المؤامرة بالثلاث فما دونها . وقيل : يحتمل الإطلاق والزيادة على الثلاث ، كخيار الرؤية . أما إذا كان ذلك الغير هو الموكل ، فيثبت الخيار للموكل فقط ، وللوكيل بالبيع والشراء شرط الخيار للموكل على الأصح ; لأن ذلك لا يضره .

وطرد الشيخ أبو علي الوجهين في شرط الخيار لنفسه أيضا . وليس للوكيل في البيع شرط الخيار للمشتري ، ولا للوكيل في الشراء شرطه للبائع ، فإن خالف بطل العقد . وإذا شرط الخيار لنفسه ، وجوزناه ، أو أذن فيه صريحا ، ثبت له الخيار ، ولا يفعل إلا ما فيه الحظ للموكل ؛ لأنه مؤتمن ، بخلاف الأجنبي المشروط له الخيار ، لا يلزمه رعاية الحظ ، هكذا ذكروه . ولقائل أن يجعل شرط الخيار له ائتمانا ، وهذا أظهر إذا جعلناه نائبا عن العاقد . ثم هل يثبت للموكل الخيار معه في هذه الصورة ؟ فيه الخلاف المذكور فيما إذا شرط للأجنبي ، هل يثبت للعاقد ؟ وحكى الإمام فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالإذن المطلق من الموكل ، ثلاثة أوجه ، أن الخيار يثبت للوكيل أو للموكل أم لهما ؟

قلت : أصحهما : للوكيل . ولو حضر الموكل مجلس العقد فحجر على الوكيل في خيار المجلس ، فمنعه الفسخ والإجازة ، فقد ذكر الغزالي كلاما معناه : أن فيه احتمالين . أحدهما : يجب الامتثال ، وينقطع خيار الوكيل ، قال : وهو مشكل ؛ لأنه يلزم منه رجوع الخيار إلى الموكل ، وهو مشكل . والثاني : لا يمتثل ؛ لأنه من لوازم السبب السابق ، وهو البيع ، ولكنه مشكل ؛ لأنه يخالف شأن الوكالة التي مقتضاها امتثال قول الموكل ، وهذا الثاني أرجح ، وهذا معنى كلام الغزالي [ ص: 450 ] في " البسيط " " والوسيط " . وليس في المسألة خلاف وإن كانت عبارته موهمة إثبات خلاف . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية