صفحة جزء
فصل

إذا حدث بالمبيع عيب في يد المشتري بجناية أو آفة ، ثم اطلع على عيب قديم ، لم يملك الرد قهرا ، لما فيه من الإضرار بالبائع ، ولا يكلف المشتري الرضا به

[ بل يعلم البائع به ] فإن رضي به معيبا ، قيل للمشتري : إما أن ترده ، وإما أن تقنع به ولا شيء لك . وإن لم يرض [ به ] ، فلا بد [ من ] أن يضم المشتري أرش العيب الحادث إلى المبيع ليرده ، أو يغرم البائع للمشتري أرش العيب القديم ليمسكه . فإن اتفقا على أحد هذين المسلكين ، فذاك . وإن اختلفا فدعا أحدهما إلى الرد مع أرش العيب الحادث ، ودعا الآخر إلى الإمساك وغرامة أرش العيب القديم ، ففيه أوجه

أحدها : المتبع قول المشتري . والثاني : رأي البائع . والثالث وهو أصحها : المتبع رأي من يدعو إلى الإمساك والرجوع بأرش القديم ، سواء كان البائع أو المشتري . وما ذكرناه من إعلام المشتري البائع ، يكون على الفور . فإن أخره بلا عذر بطل حقه من الرد والأرش ، إلا أن يكون العيب الحادث قريب الزوال غالبا ، كالرمد والحمى ، فلا يعتبر الفور على أحد القولين ، بل له انتظار زواله ليرده سليما عن العيب الحادث . ومهما زال العيب الحادث بعدما أخذ المشتري أرش العيب القديم ، أو قضى به القاضي ولم يأخذه ، فهل له الفسخ ورد الأرش ؟ وجهان .

أصحهما : لا ولو تراضيا ، ولا قضاء ، فالأصح : أن له الفسخ .

[ ص: 483 ] فرع

لو علم العيب القديم بعد زوال الحادث ، رد على الصحيح ، وفيه وجه ضعيف جدا . ولو زال القديم قبل أخذ أرشه ، لم يأخذه . وإن زال بعد أخذه ، رده على المذهب . وقيل : وجهان ، كما لو نبتت سن المجني عليه بعد أخذ الدية ، هل يردها ؟ .

فرع .

كل ما يثبت الرد على البائع لو كان عنده ، يمنع الرد إذا حدث عند المشتري . وما لا رد [ به ] على البائع ، لا يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري ، إلا في الأقل . فلو خصي العبد ، ثم علم به عيبا قديما ، فلا رد ، وإن زادت قيمته . ولو نسي القرآن أو صنعة ، ثم علم به عيبا قديما ، فلا رد ، لنقصان القيمة . ولو زوجها ، ثم علم بها عيبا ، فكذلك . قال الروياني : إلا أن يقول الزوج : إن ردك المشتري بعيب ، فأنت طالق ، وكان ذلك قبل الدخول ، فله الرد ، لزوال المانع . ولو علم عيب جارية اشتراها من أبيه أو ابنه بعد أن وطئها وهي ثيب ، فله الرد وإن حرمت على البائع ; لأن القيمة لم تنقص بذلك . وكذا لو كانت الجارية رضيعة ، فأرضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشتري ، ثم علم بها عيبا . وإقرار الرقيق على نفسه في يد المشتري بدين المعاملة ، أو بدين الإتلاف ، مع تكذيب المولى ، لا يمنع الرد بالعيب القديم . وإن صدقه المولى على دين الإتلاف ، منع منه . فإن عفا المقر له بعد ما أخذ المشتري الأرش ، فهل له الفسخ ورد الأرش ؟ [ ص: 484 ] وجهان جاريان فيما إذا أخذ المشتري الأرش لرهنه العبد أو كتابته أو إباقه أو غصبه ونحوها . إن مكناه من ذلك ، ثم زال المانع من الرد ، قال في " التهذيب " : أصحهما : لا فسخ .

فرع

حدث في يد المشتري نكتة بياض في عين العبد ، ووجد نكتة قديمة ، فزالت إحداهما فقال البائع : الزائلة القديمة ، فلا رد ولا أرش . وقال المشتري : بل الحادثة ، ولي الرد ، حلفا على ما قالا . فإن حلف أحدهما دون الآخر ، قضي له . وإن حلفا استفاد البائع دفع الرد ، والمشتري أخذ الأرش . فإن اختلفا في الأرش ، فليس له إلا الأقل ؛ لأنه المستيقن .

فرع

إذا اشترى حليا من ذهب أو فضة وزنه مائة مثلا ، بمائة من جنسه ، ثم اطلع على عيب قديم ، وقد حدث عنده عيب ، فأوجه . أصحها عند الأكثرين : يفسخ البيع ، ويرد الحلي مع أرش النقص الحادث ، ولا يلزم الربا ; لأن المقابلة بين الحلي والثمن ، وهما متماثلان . والعيب الحادث مضمون عليه ، كعيب المأخوذ على جهة السوم ، فعليه غرامته . والثاني ، وهو قول ابن سريج : أنه يفسخ العقد ، لتعذر إمضائه ، ولا يرد الحلي على البائع ، لتعذر رده مع الأرش ودونه ، فيجعل كالتالف ، فيغرم المشتري قيمته من غير جنسه معيبا بالعيب القديم ، سليما عن الحادث . واختار الغزالي هذا الوجه ، وضعفه الإمام وغيره . والثالث ، وهو قول صاحب التقريب ، والداركي ، واختاره الإمام وغيره : أنه يرجع بأرش العيب القديم ، كسائر الصور . [ ص: 485 ] والمماثلة في الربوي ، إنما تشترط في ابتداء العقد ، والأرش حق وجب بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق . وقياس هذا الوجه : تجويز الرد مع الأرش عن الحادث كسائر الأموال . وإذا أخذ الأرش ، فقيل : يشترط كونه من غير جنس العوضين ، حذرا من الربا . والأصح : جوازه منهما ؛ لأنه لو امتنع الجنس ، لامتنع غيره ؛ لأنه بيع ربوي بجنسه مع شيء آخر .

ولو عرف العيب القديم بعد تلف الحلي عنده ، فالذي ذكره صاحبا الشامل و " التتمة " : أنه يفسخ العقد ويسترد الثمن ، ويغرم قيمة التالف ، ولا يمكن أخذ الأرش للربا . وفي وجه : يجوز أخذ الأرش ، وصححه في " التهذيب " . وعلى هذا ، ففي اشتراط كونه من غير الجنس ، ما سبق . ولا يخفى أن المسألة لا تختص بالحلي والنقد ، بل تجري في كل ربوي بيع بجنسه .

فرع

لو أنعل الدابة ، ثم علم بها عيبا قديما ، نظر ، إن لم يعبها نزع النعل ، فله نزعه والرد . فإن لم ينزع والحالة هذه ، لم يجب على البائع قبول النعل . وإن كان النزع يخرم ثقب المسامير ، ويعيب الحافر ، فنزع ، بطل حقه من الرد والأرش ، وفيه احتمال للإمام . ولو ردها مع النعل ، أجبر البائع على القبول ، وليس للمشتري طلب قيمة النعل . ثم ترك النعل ، هل هو تمليك من المشتري ، فيكون للبائع لو سقط ، أم إعراض فيكون للمشتري ؟ وجهان . أشبههما الثاني .

فرع

لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ، ثم علم عيبه ، فإن رضي بالرد من غير [ ص: 486 ] أن يطالب بشيء ، فعلى البائع القبول ، ويصير الصبغ ملكا للبائع ؛ لأنه صفة للثوب لا تزايله ، وليس كالنعل . هذا لفظ الإمام ، قال : ولا صائر إلى أنه يرد ويبقى شريكا في الثوب كما في المغصوب ، والاحتمال يتطرق إليه . وإن أراد الرد وأخذ قيمة الصبغ ، ففي وجوب الإجابة على البائع وجهان .

أصحهما : لا تجب ، لكن يأخذ المشتري الأرش . ولو طلب المشتري أرش العيب ، وقال البائع : رد الثوب لأغرم لك قيمة الصبغ ، ففيمن يجاب ؟ وجهان . وقطع ابن الصباغ والمتولي ، بأن المجاب البائع ، ولا أرش للمشتري .

فرع

لو قصر الثوب ، ثم علم العيب ، بني على أن القصارة عين أو أثر ؟ إن قلنا : عين ، فكالصبغ . وإن قلنا : أثر ، رد الثوب بلا شيء ، كالزيادات المتصلة ، وعلى هذا فقس نظائره .

التالي السابق


الخدمات العلمية