صفحة جزء
فصل

الإقالة بعد البيع جائزة ، بل إذ ندم أحدهما ، يستحب للآخر إقالته ، وهي أن يقول المتبايعان : تقايلنا ، أو تفاسخنا . أو يقول أحدهما : أقلتك ، فيقول الآخر : قبلت وما أشبهه . وفي كونها فسخا أو بيعا ، قولان . أظهرهما : فسخ . وقيل : القولان في لفظ الإقالة . فأما إن قالا : تفاسخنا ، ففسخ قطعا . فإن قلنا : بيع ، تجددت بها الشفعة ، وإلا فلا . ولو تقايلا في الصرف ، وجب التقابض في المجلس إن قلنا : بيع ، وإلا فلا . وتجوز الإقالة قبل قبض المبيع ، إن قلنا : فسخ ، وإلا فهي كبيع المبيع من البائع قبل القبض . وتجوز في السلم قبل القبص إن قلنا : فسخ ، وإلا فلا . ولا تجوز الإقالة بعد تلف المبيع إن قلنا : بيع ، وإلا فالأصح : الجواز ، كالفسخ بالتحالف ، فعلى هذا ، يرد المشتري على البائع مثل المبيع إن كان مثليا ، أو قيمته إن كان متقوما .

ولو اشترى عبدين ، فتلف أحدهما ، ففي الإقالة في الباقي خلاف مرتب ; لأن الإقالة تصادف القائم ، فيستتبع التالف . وإن تقابلا والمبيع في يد المشتري ، لم ينفذ تصرف البائع فيه إن قلنا : بيع ، ونفذ إن قلنا : فسخ . فإن تلف في يده ، انفسخت الإقالة إن قلنا : بيع ، وبقي البيع الأول بحاله ، وإلا فعلى المشتري ضمانه ؛ لأنه مقبوض على حكم العوض ، كالمأخوذ قرضا أو سوما ، والواجب فيه ، إن كان متقوما ، أقل القيمتين من يوم العقد والقبض . وإن تعيب في يده ، فإن قلنا : بيع ، يخير البائع بين أن يجيز الإقالة ولا شيء له ، وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن . وإن قلنا : فسخ ، غرم أرش العيب . ولو استعمله بعد الإقالة . فإن قلنا : بيع ، فهو [ ص: 496 ] كالبيع يستعمله البائع ، وإلا فعليه الأجرة . ولو علم البائع بالمبيع عيبا كان حدث في يد المشتري قبل الإقالة ، فلا رد له إن قلنا : فسخ ، وإلا فله رده . ويجوز للمشتري حبس المبيع ، لاسترداده الثمن على القولين ، ولا يشترط في الإقالة ذكر الثمن ، ولا يصح إلا بذلك الثمن . فلو زاد أو نقص ، بطلت ، وبقي البيع بحاله ، حتى لو أقاله على أن ينظره بالثمن ، أو على أن يأخذ الصحاح عن المكسر ، لم يصح . ويجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين ، وتجوز في بعض المبيع .

قال الإمام : هذا إذا لم تلزم جهالة . أما إذا اشترى عبدين ، فتقايلا [ في ] أحدهما مع بقاء الثاني ، فلا يجوز على قولنا : بيع ، للجهل بحصة كل واحد . وتجوز الإقالة في بعض المسلم فيه ، لكن لو أقاله في البعض ليعجل الباقي ، أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي ، فهي فاسدة .

قلت : قال القفال في شرحه " التلخيص " : لو تقايلا ، ثم اختلفا في الثمن ، ففيه ثلاثة أوجه ، سواء قلنا : الإقالة بيع أو فسخ ، أصحها وهو قول ابن المرزبان : أن القول قول البائع . والثاني : قول المشتري . والثالث : يتحالفان وتبطل الإقالة ، قال الدارمي : وإذا تقايلا وقد زاد المبيع ، فالزيادة المتميزة للمشتري ، وغيرها للبائع . قال : ولو اختلفا في وجود الإقالة ، صدق منكرها . قال : ولو باعه ، ثم تقايلا بعد حلول الأجل ودفع المال ، استرجعه المشتري في الحال ، ولا يلزمه أن يصبر قدر الأجل . وإن لم يكن دفعه ، سقط وبرئا جميعا . والله أعلم .

[ ص: 497 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية