صفحة جزء
فصل

المال المستحق للإنسان عند غيره ، عين ودين . أما الثاني ، فسيأتي في الفصل الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى . وأما الأول : فضربان ، أمانة ومضمون .



[ الضرب ] الأول : الأمانات ، فيجوز للمالك بيعها ، لتمام الملك ، وهي كالوديعة في يد المودع ومال الشركة والقراض في يد الشريك والعامل ، والمال في يد الوكيل في البيع ونحوه ، وفي يد المرتهن بعد فكاك الرهن ، وفي يد المستأجر بعد فراغ المدة ، والمال في يد القيم بعد بلوغ الصبي رشيدا ، وما كسبه العبد باحتطاب وغيره ، أو قبله بالوصية قبل أن يأخذه السيد . ولو ورث مالا ، فله بيعه قبل أخذه ، إلا إذا كان المورث لا يملك بيعه أيضا مثل ما اشتراه ولم يقبضه .

ولو اشترى من مورثه شيئا ، ومات المورث قبل التسليم ، فله بيعه ، سواء كان على االمورث دين أم لا . وحق الغريم يتعلق بالثمن ، فإن كان له وارث آخر ، لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه . ولو أوصى له بمال ، فقبل الوصية بعد موت الموصي ، فله بيعه قبل قبضه . وإن باعه بعد الموت وقبل القبول ، جاز إن قلنا : تملك الوصية بالموت . وإن قلنا : بالقبول ، أو [ هو ] موقوف ، فلا .

الضرب الثاني : المضمونات ، وهي نوعان .

الأول : المضمون بالقيمة ، ويسمى ضمان اليد ، فيصح بيعه قبل القبض ، لتمام الملك فيه . ويدخل فيه ما صار مضمونا بالقيمة بعقد مفسوخ وغيره . حتى لو باع [ ص: 511 ] عبدا ، فوجد المشتري به عيبا وفسخ البيع ، كان للبائع بيع العبد وإن لم يسترده ، قال في " التتمة " : إلا إذا لم يؤد الثمن ، فإن للمشتري حبسه إلى استرجاع الثمن . ولو فسخ السلم لانقطاع المسلم فيه ، فللمسلم بيع رأس المال قبل استرداده . وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بإفلاس المشتري ، ولم يسترده بعد . ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام ، وفي يد المشتري والمتهب في الشراء والهبة الفاسدين . ويجوز بيع المغصوب للغاصب . .

النوع الثاني : المضمون بعوض في عقد معاوضة ، لا يصح بيعه قبل القبض ، لتوهم الانفساخ بتلفه ، وذلك كالمبيع والأجرة والعوض المصالح عليه عن المال . وفي بيع الصداق قبل القبض قولان ، بناء على أنه مضمون على الزوج ضمان العقد أو ضمان اليد ؟ والأظهر : ضمان العقد . ويجري القولان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض ، وبيع العافي عن القود المال المعفو عليه قبل القبض لمثل هذا المأخذ .

فرع

وراء ما ذكرنا صور ، إذا تأملتها عرفت من أي ضرب هي . فمنها : حكى صاحب " التلخيص " عن نص الشافعي رضي الله عنه : أن الأرزاق التي يخرجها السلطان للناس ، يجوز بيعها قبل القبض . فمن الأصحاب من قال : هذا إذا أفرزه السلطان ، فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له ، ويكفي ذلك لصحة البيع . ومنهم من لم يكتف بذلك ، وحمل النص على ما إذا وكل وكيلا في قبضه ، فقبضه الوكيل ، ثم باعه الموكل ، وإلا فهو بيع شيء غير مملوك ، وبهذا قطع القفال في الشرح . [ ص: 512 ]

قلت : الأول : أصح وأقرب إلى النص . وقوله : وبه قطع القفال ، يعني بعدم الاكتفاء ، لا بالتأويل المذكور ، فإني رأيت في شرح " التلخيص " للقفال ، المنع المذكور . قال : ومراد الشافعي رضي الله عنه بالرزق ، الغنيمة ، ولم يذكر غيره . ودليل ما قاله الأول ، أن هذا القدر من المخالفة للقاعدة ، احتمل للمصلحة والرفق بالجند ، لمسيس الحاجة . والله أعلم .

ومنها : بيع أحد الغانمين نصيبه على الإشاعة قبل القبض ، صحيح إذا كان معلوما وحكمنا بثبوت الملك في الغنيمة . وفيما يملكها به خلاف مذكور في بابه . ومنها : لو رجع فيما وهب لولده ، فله بيعه قبل قبضه على الصحيح . ومنها : الشفيع إذا تملك الشقص ، قال في " التهذيب " : له بيعه قبل القبض . وقال في " التتمة " : ليس له ذلك ; لأن الأخذ بها معاوضة .

قلت : الثاني أقوى . والله أعلم .

ومنها : للموقوف عليه بيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أن يأخذها . ومنها : إذا استأجر صباغا لصبغ ثوب وسلمه إليه ، فليس للمالك بيعه قبل صبغه ; لأن له حبسه لعمل ما يستحق به الأجرة . وإذا صبغه ، فله بيعه قبل استرداده إن دفع الأجرة ، وإلا فلا ؛ لأنه يستحق حبسه إلى استيفاء الأجرة . ولو استأجر قصارا لقصر ثوب وسلمه إليه ، لم يجز بيعه قبل قصره ، فإذا قصره ، بني على أن القصارة عين فيكون كمسألة الصبغ ، أو أثر ، فله البيع ، [ ص: 513 ] إذ ليس للقصار الحبس على هذا ، وعلى هذا قياس صبغ الذهب ، ورياضة الدابة ، ونسج الغزل . ومنها : إذا قاسم شريكه ، فبيع ما صار له قبل قبضه يبنى على أن القسمة بيع ، أو إفراز ؟ ومنها : إذا أثبت صيدا بالرمي ، أو وقع في شبكه ، فله بيعه وإن لم يأخذه ، ذكره صاحب " التلخيص " هنا ، قال القفال : ليس هو مما نحن فيه ؛ لأنه بإثباته قبضه حكما .

فرع

تصرف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض ، كالولد ، والثمرة ، يبنى على أنها تعود إلى البائع لو عرض انفساخ ، أو لا تعود ، فإن أعدناها ، لم يتصرف فيها كالأصل ، وإلا تصرف . ولو كانت الجارية حاملا عند البيع ، وولدت قبل القبض ، إن قلنا : الحمل يقابله قسط من الثمن ، لم يتصرف فيه ، وإلا فهو كالولد الحادث بعد البيع .

فرع

إذا باع متاعا بدراهم ، أو بدنانير معينة ، فلها حكم المبيع ، فلا يجوز تصرف البائع فيها قبل قبضها ، لأنها تتعين بالتعيين ، فلا يجوز للمشتري إبدالها بمثلها ، ولو تلفت قبل القبض انفسخ البيع ، ولو وجد البائع بها عيبا ، لم يستبدل بها ، بل إن رضيها ، وإلا فسخ العقد ، فلو أبدلها بمثلها ، أو بغير جنسها برضا البائع ، فهو كبيع المبيع للبائع .

[ ص: 514 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية