صفحة جزء
فصل

الحجارة إن كانت مخلوقة في الأرض ، أو مثبتة ، دخلت في بيع الأرض . فإن كانت تضر بالزرع والغرس ، فهو عيب إن كانت الأرض تقصد لذلك . وفي وجه ضعيف : أنه ليس بعيب ، وإنما هو فوات فضيلة . وإن كانت مدفونة فيها لم تدخل في البيع ، كالكنوز والأقمشة في الدار . ثم إن كان المشتري عالما به ، فلا خيار [ له ] في فسخ العقد ، وله إجبار البائع على القلع والنقل ، تفريغا لملكه ، بخلاف الزرع ، فإن له أمدا ينتظر ، ولا أجرة للمشتري في مدة القلع والنقل وإن طالت ، كما لو اشترى دارا فيها أقمشة يعلمها ، فلا أجرة له في مدة نقلها ، [ ص: 542 ] ويجب على البائع إذا نقل تسوية الأرض . وإن كان جاهلا ، فللحجارة مع الأرض ، أربعة أحوال . أحدها : أن لا يكون في قلعها ولا في تركها ضرر ، بأن لا يحوج النقل وتسوية الأرض إلى مدة لمثلها أجرة ، ولا تنقص الأرض بها ، فللبائع النقل ، وعليه تسوية الأرض ، ولا خيار للمشتري ، وله إجبار البائع على النقل على الصحيح . وفي وجه : لا يجبره ، والخيار للبائع .

الحال الثاني : أن لا يكون في قلعها ضرر ، ويكون في تركها ضرر ، فيؤمر البائع بالنقل . ولا خيار للمشتري ، كما لو اشترى دارا ، فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال ، أو كانت منسدة البالوعة ، فقال البائع : أنا أصلحه وأنقيها ، لا خيار للمشتري .

الحال الثالث : أن يكون القلع والترك مضرين ، فللمشتري الخيار ، سواء جهل أصل الأحجار ، أو كون قلعها مضرا ، ولا يسقط خياره بترك البائع الأحجار لأن بقاءها مضر . وهل يسقط بقول البائع : لا تفسخ لأغرم لك أجرة المثل مدة النقل ؟ وجهان .

أصحهما : لا ، كما لو قال البائع : لا تفسخ بالعيب لأغرم لك الأرش . ثم إن اختار المشتري إمضاء البيع ، لزم البائع النقل وتسوية الأرض ، سواء كان النقل قبل القبض أو بعده . وهل تجب أجرة المثل لمدة النقل ؟ نظر إن كان النقل قبل القبض بني على أن جناية البائع قبل القبض كآفة سماوية ، أم كجناية الأجنبي ؟ إن قلنا بالأول ، لم تجب ، وإلا فهو كما لو نقل بعد القبض . وإن كان النقل بعد القبض ، ففي وجوبها وجهان .

أصحهما عند الأكثرين : تجب ، كما لو جنى على المبيع بعد القبض ، عليه ضمانه . وإن اختصرت قلت : في الأجرة أوجه . أصحها ثالثها : إن كان النقل قبل القبض ، لم [ ص: 543 ] يجب ، وبعده يجب . ويجري هذا الخلاف في وجوب الأرش لو بقي في الأرض بعد التسوية عيب .

الحال الرابع : أن يكون في قلعها ضرر ، وليس في تركها ضرر ، فللمشتري الخيار ، فإن أجاز ، ففي وجوب الأجرة والأرش ما سبق ، ولا يسقط خياره بقول البائع : اقلع وأغرم الأجرة أو أرش النقص ، قاله في " التهذيب " . ويجيء فيه الخلاف المذكور في الحالة الثالثة . ولو رضي بترك الأحجار في الأرض ، سقط خيار المشتري . ثم ينظر ، إن قال : تركتها للمشتري ، فهل هو تمليك للمشتري ، أم مجرد إعراض لقطع الخصومة ؟ وجهان . كالوجهين في ترك نعل الدابة المردودة بالعيب . أصحهما : الثاني . فإن قلنا بالأول ، فلو قلعها المشتري يوما ، فهي له . ولو أراد البائع الرجوع فيها ، لم يكن له . وإن قلنا بالثاني ، فهي للبائع . فلو أراد الرجوع ، قال الأكثرون : له ذلك ، ويعود خيار المشتري . وقال الإمام : لا رجوع له ، ويلزمه الوفاء بالترك . وإن قال : وهبتها لك ، واجتمعت شرائط الهبة ، حصل الملك ، وقيل بطرد الخلاف .

فإن لم تجتمع ، ففي صحتها للضرورة وجهان . فإن صححنا ، ففي حصول الملك ما ذكرنا في لفظ الترك . وجميع ما ذكرنا إذا كانت الأرض بيضاء . أما إذا كان فيها غراس ، فينظر ، إن كان حاصلا يوم البيع واشتراه مع الأرض ، فنقصان الغراس وتعيبه بالأحجار ، كتعيب الأرض في إثبات الخيار وسائر الأحكام . وإن أحدثه المشتري عالما بالأحجار ، فللبائع قلعها ، وليس عليه ضمان نقص الغراس . وإن أحدثه جاهلا ، لم يثبت الخيار على الأصح ; لأن الضرر راجع إلى غير المبيع . فإن كانت الأرض تنقص أيضا بالأحجار ، نظر ، إن لم يحصل بالغرس وقلع المغروس نقص في الأرض ، فله القلع والفسخ . وإن حصل ، فلا خيار في الفسخ ، إذ لا يجوز رد المبيع ناقصا ، لكن يأخذ الأرش . وإذا قلع البائع ، فنقص الغراس ، لزمه أرش النقص بلا خلاف ، أما إذا كان فوق الأحجار زرع للبائع أو للمشتري ، [ ص: 544 ] ففي " التهذيب " : أنه يترك إلى أوان الحصاد ; لأن له غاية منتظرة ، بخلاف الغراس . ومنهم من سوى بينه وبين الغراس .

قلت : الأصح : قول صاحب " التهذيب " ، وقد وافقه جماعة . قال صاحب " الإبانة " : إذا قلع البائع الأحجار بعد الحصاد ، فعليه تسوية الأرض . والله أعلم .

فرع

هل له الأجرة في مدة بقاء الزرع ؟ قطع الجمهور بأن لا أجرة . وقيل : وجهان . الأصح : لا أجرة ، وتقع تلك المدة مستثناة ، كمن باع دارا مشحونة بأمتعة ، لا يستحق المشتري أجرة لمدة التفريغ .

فرع

تكلم إمام الحرمين في أن الأصحاب رحمهم الله ، لم يوجبوا على هادم الجدار إعادته ، بل أوجبوا أرشه ، وأوجبوا تسوية الحفر على البائع والغاصب ، وأجاب عنه بأن طم الحفر لا يكاد يتفاوت ، وهيئات الأبنية تتفاوت ، فشبه الطم بذوات الأمثال ، والجدار بذوات القيم . حتى لو رفع لبنة أو لبنتين من رأس جدار ، وأمكن الرد من غير خلل في الهيئة ، فهو كطم الحفر . وفي وجوب إعادة الجدار خلاف نذكره في الصلح إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية