صفحة جزء
فصل

في أداء المسلم فيه ، والكلام في صفته وزمانه ومكانه

أما صفته ، فإن أتى بغير جنسه لم يجز قبوله ، إذ لا يجوز الاعتياض عنه . وإن أتى بجنسه وعلى صفته المشروطة ، وجب قبوله قطعا ، وإن كان أجود ، جاز قبوله قطعا ، ووجب على الأصح . وإن كان أردأ ، جاز قبوله ولم يجب . وإن أتى بنوع آخر ، بأن أسلم في التمر المعقلي ، فأحضر البرني ، أو في ثوب هروي ، فأتى بمروي ، فأوجه .

[ ص: 30 ] أصحها : يحرم قبوله . والثاني : يجب . والثالث : يجوز ، كما لو اختلفت الصفة ، واختلفوا في أن التفاوت بين التركي والهندي ، تفاوت جنس ، أم تفاوت نوع ؟ والصحيح : الثاني . وفي أن التفاوت بين الرطب والتمر ، وبين ما سقي بماء السماء وما سقي بغيره ، تفاوت نوع ، أو صفة ؟ والأصح الأول .

فرع

ما أسلم فيه كيلا قبضه كيلا . وما أسلم فيه وزنا ، قبضه وزنا ولا يجوز العكس . وإذا كال لا يزلزل المكيال ، ولا يضع الكف على جوانبه . ويجب تسليم الحنطة ونحوها نقية من الزوان والمدر والتراب ، فإن كان فيها شيء قليل من ذلك ، وقد أسلم كيلا ، جاز ، وإن أسلم وزنا لم يجز .

قلت : هكذا أطلق جمهور الأصحاب ، وقال صاحب " الحاوي " : فيما إذا أسلم كيلا ، إلا أن يكون لإخراج التراب مؤنة ، فلا يلزمه قبولها . قال في " البيان " دقاق التبن كالتراب . والله أعلم .

ويجب تسليم التمر جافا ، والرطب صحيحا غير مشدخ .

وأما زمانه : فإن كان السلم مؤجلا لم يخف أنه لا مطالبة قبل المحل . فإن أتى به المسلم إليه قبله ، فامتنع من قبوله ، قال جمهور الأصحاب : إن كان له غرض في الامتناع ، بأن كان وقت نهب ، أو كان حيوانا يحتاج علفا ، أو ثمرة ، أو لحما يريد أكلها عند المحل طريا ، أو كان يحتاج إلى مكان له مؤنة ، كالحنطة وشبهها لم يجبر على القبول . وإن لم يكن له غرض في الامتناع ، فإن كان للمؤدي غرض سوى براءة الذمة ، بأن كان به رهن أو كفيل ، أجبر على القبول على المذهب . وقيل : قولان .

[ ص: 31 ] وهل يلحق بهذه الأعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول ؟ وجهان . الأصح : يلحق . وإن لم يكن للمؤدي غرض سوى براءة الذمة ، فقولان ، أصحهما : يجبر ، وإن تقابل غرضاهما ، فالمرعي جانب المستحق على المذهب . وقيل بطرد القولين ، وعكس الغزالي هذا الترتيب ، وهو شاذ مردود . وحكم سائر الديون المؤجلة فيما ذكرنا حكم المسلم فيه .

وأما إذا كان السلم حالا ، فله المطالبة به في الحال . فلو أتى به المسلم إليه ، فامتنع من قبضه ، فإن كان للدافع غرض سوى البراءة ، أجبر على القبول ، وإلا ، فالمذهب : أنه يجبر على القبول أو الإبراء . وقيل : على القولين ، وحيث ثبت الإجبار ، فلو أصر على الامتناع ، أخذه الحاكم له . وأما مكانه : فإذا قلنا : يتعين مكان العقد للتسليم ، أو قلنا : لا يتعين فعيناه ، وجب التسليم فيه . فلو وجد المسلم إليه في غير ذلك المكان ، فإن كان لنقله مؤنة لم يطالب به . وهل يطالب بالقيمة للحيلولة ؟ وجهان . الصحيح : لا ؛ لأن أخذ العوض عن المسلم فيه قبل القبض غير جائز ، وبهذا قطع العراقيون وصاحب التهذيب ، فعلى هذا ، للمسلم الفسخ واسترداد رأس المال ، كما لو انقطع المسلم فيه . وإن لم يكن لنقله مؤنة كالدراهم والدنانير ، فله مطالبته به ، وأشار إمام الحرمين إلى الخلاف فيه . ولو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب أو الإتلاف ، فهل له مطالبته بالمثل ؟ فيه خلاف ، الأصح : ليس له المطالبة إلا بالقيمة . ولو أتى المسلم إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم ، فامتنع المستحق من أخذه ، فإن كان لنقله مؤنة ، أو كان الموضع مخوفا لم يجز ، وإلا فوجهان بناء على القولين في التعجيل قبل المحل . فلو رضي ، وأخذه لم يكن له أن يكلفه مؤنة النقل .

قلت : أصحهما : إجباره . ولو اتفق كون رأس المال على صفة المسلم فيه ، فأحضره ، فوجهان مشهوران . أصحهما : يجب قبوله . والثاني : لا يجوز . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية