صفحة جزء
[ ص: 127 ] فرع

الجرموق : هو الذي يلبس فوق الخف لشدة البرد غالبا . فإذا لبس خفا فوق خف ، فله أربعة أحوال .

أحدها : أن يكون الأعلى صالحا للمسح عليه دون الأسفل ، لضعفه ، أو لخرقه ، فالمسح على الأعلى خاصة .

الثاني : عكسه ، فالمسح على الأسفل خاصة . فلو مسح الأعلى فوصل البلل إلى الأسفل ، فإن قصد مسح الأسفل ، أجزأه . وكذا إن قصدهما على الصحيح . وإن قصد الأعلى ، لم يجز . وإن لم يقصد واحدا ، بل قصد المسح في الجملة ، أجزأه على الأصح ، لقصده إسقاط فرض الرجل بالمسح .

الثالث : أن لا يصلح واحد منهما فيتعذر المسح .

الرابع : أن يصلحا كلاهما ، ففي المسح على الأعلى وحده قولان : القديم جوازه ، والجديد : منعه .

قلت : الأظهر عند الجمهور الجديد ، وصحح القاضي أبو الطيب في شرح ( الفروع ) القديم . والله أعلم .

فإن جوزنا المسح على الجرموق ، فقد ذكر ابن سريج فيه ثلاثة معان . أظهرها : أن الجرموق بدل عن الخف ، والخف بدل عن الرجل . والثاني : الأسفل كلفافة ، والأعلى هو الخف . والثالث : أنهما كخف واحد ، فالأعلى ظهارة ، والأسفل بطانة . وتتفرع على المعاني مسائل . منها : لو لبسهما معا على طهارة فأراد الاقتصار على مسح الأسفل ، جاز على المعنى الأول دون الآخرين . ومنها : لو لبس الأسفل على طهارة ، والأعلى على حدث ، ففي جواز المسح على الأعلى طريقان . أحدهما : لا يجوز . وأصحهما فيه وجهان . إن قلنا بالمعنى الأول [ ص: 128 ] والثاني : لم يجز . وبالثالث : يجوز . فلو لبس الأسفل بطهارة ، ثم أحدث ومسحه ، ثم لبس الجرموق ، فهل يجوز مسحه ؟ فيه طريقان .

أحدهما : يبنى على المعاني إن قلنا بالأول أو الثالث جاز . وبالثاني : لا يجوز . وقيل : يبنى الجواز على هذا الثاني ، على أن مسح الخف يرفع الحدث ، أم لا ؟ إن قلنا : يرفع ، جاز ، وإلا فلا .

الطريق الثاني : القطع بالبناء على رفع الحدث . وإذا جوزنا مسح الأعلى في هذه المسألة ، قال الشيخ أبو علي : ابتداء المدة من حين إحداث أول لبسه الأسفل ، وفي جواز الاقتصار على الأسفل الخلاف السابق . ومنها : لو لبس الأسفل على حدث ، وغسل رجله فيه ، ثم لبس الأعلى على طهارة كاملة ، فلا يجوز مسح الأسفل قطعا ، ولا مسح الأعلى إن قلنا بالمعنى الأول ، أو الثالث . وبالثاني يجوز . ومنها : لو تخرق الأعلى من الرجلين جميعا ، أو نزعه منهما بعد مسحه وبقي الأسفل بحاله ، فإن قلنا بالمعنى الأول ، لم يجب نزع الأسفل ، بل يجب مسحه ، وهل يكفيه مسحه أم يجب استئناف الوضوء ؟ فيه القولان في نازع الخفين . وإن قلنا بالمعنى الثالث ، فلا شيء عليه . وإن قلنا بالثاني ، وجب نزع الأسفل أيضا وغسل القدمين . وفي استئناف الوضوء القولان ، فحصل من الخلاف في المسألة خمسة أقوال . أحدها : لا يجب شيء . والثاني : يجب مسح الأسفل فقط . والثالث : يجب المسح واستئناف الوضوء . والرابع : يجب نزع الخفين وغسل الرجلين . والخامس : يجب ذلك مع استئناف الوضوء . ومنها : لو تخرق الأعلى من إحدى الرجلين أو نزعه . فإن قلنا بالمعنى الثالث ، فلا شيء عليه . وإن قلنا بالثاني ، وجب نزع الأسفل أيضا من هذه الرجل ، ووجب نزعهما من الرجل الأخرى ، وغسل القدمين . وفي استئناف الوضوء القولان . وإن قلنا بالمعنى الأول ، فهل يلزمه نزع الأعلى من الرجل الأخرى ؟ وجهان : أصحهما نعم ، كمن نزع إحدى الخفين . فإذا نزعه ، عاد القولان : في أنه ( هل ) يجب استئناف الوضوء ، أم يكفيه مسح الأسفل ؟ والثاني : لا يلزمه نزع الثاني . [ ص: 129 ] وفي واجبه القولان . أحدهما : مسح الأسفل الذي نزع أعلاه . والثاني استئناف الوضوء ، ومسح هذا الأسفل ، والأعلى من الرجل الأخرى . ومنها : لو تخرق الأسفل منهما ، لم يضر على المعاني كلها . فإن تخرق من إحداهما ، فإن قلنا بالمعنى الثاني أو الثالث ، فلا شيء عليه . وإن قلنا بالأول ، وجب نزع واحد من الرجل الأخرى ، لئلا يجمع بين البدل والمبدل ، قاله في ( التهذيب ) وغيره . ولك أن تقول : هذا المعنى موجود فيما إذا تخرق الأعلى من إحدى الرجلين ، وقد حكوا وجهين في وجوب نزعه من الأخرى ، فليحكم بطردهما هنا . ثم إذا نزع ، ففي واجبه القولان . أحدهما : مسح الخف الذي نزع الأعلى من فوقه . والثاني : استئناف الوضوء والمسح عليه وعلى الأعلى الذي تخرق الأسفل تحته . ومنها : لو تخرق الأسفل والأعلى من الرجلين ، أو من إحداهما ، لزم نزع الجميع على المعاني كلها ، لكن إن قلنا بالمعنى الثالث ، وكان الخرقان في موضعين غير متحاذيين ، لم يضر كما تقدم بيانه . ومنها : لو تخرق الأعلى من رجل ، والأسفل من الأخرى ، فإن قلنا بالثالث ، فلا شيء عليه . وإن قلنا بالأول ، نزع الأعلى المتخرق ، وأعاد مسح ما تحته . وهل يكفيه ذلك ، أم يحتاج إلى استئناف الوضوء ماسحا عليه وعلى الأعلى من الرجل الأخرى ؟ فيه القولان . هذا كله تفريع على جواز مسح الجرموق . فإن منعناه ، فأدخل يده بينهما ومسح الخف الأسفل ، جاز على الأصح . ولو تخرق الأسفلان ، فإن كان عند التخرق على طهارة لبسه الأسفل ، مسح الأعلى ، لأنه صار أصلا لخروج الأسفل عن صلاحيته للمسح . وإن كان محدثا ، لم يجز مسح الأعلى ، كاللبس على حدث . وإن كان على طهارة مسح ، فوجهان ، كما ذكرنا في التفريع على القديم . أما إذا لبس جرموقا في رجل ، واقتصر على الخف في الأخرى ، فعلى الجديد : لا يجوز مسح الجرموق . وعلى القديم : يبنى على المعاني الثلاثة ، فعلى الأول لا يجوز ، كما لا يجوز المسح في خف ، وغسل الرجل الأخرى . وعلى الثالث يجوز ، وكذا على الثاني على الأصح .

[ ص: 130 ] قلت : وإذا جوزنا المسح على الجرموق ، فكذا إذا لبس ثانيا وثالثا . ولو لبس الخف فوق الجبيرة ، لم يجز المسح عليه على الأصح . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية