صفحة جزء
فصل

رهن العبد المحارب ، كبيعه . ورهن المرتد صحيح على المذهب كبيعه . فإن علم المرتهن ردته ، فلا خيار له في فسخ البيع المشروط فيه الرهن . وإن جهل ، يخير ، فإن قتل قبل قبضه ، فله فسخ البيع . وإن قتل بعده ، فمن ضمان من ؟ فيه وجهان سبقا في البيع . فإن قلنا : من ضمان البائع ، فللمرتهن فسخ البيع ، وإلا فلا فسخ ولا أرش ، كما لو مات في يده .

قلت : ولو رهنه عبدا مريضا لم يعلم بمرضه المرتهن حتى مات في يده ، فلا خيار له ، قاله في المعاياة ، قال : لأن الموت بألم حادث ، بخلاف قتل المرتد . والله أعلم .

[ ص: 45 ] فرع

الجاني إن لم نصحح بيعه ، فرهنه أولى ، وإلا ، فقولان ؛ لأن الجناية الطارئة ، يقدم صاحبها على حق المرتهن ، فالمتقدمة أولى . فإن لم نصحح رهنه ، ففداه السيد ، أو أسقط المجني عليه حقه ، فلا بد من استئناف رهن . وإن صححناه ، فقال المسعودي والإمام : يكون مختارا للفداء كما لو باعه ، وقال ابن الصباغ : لا يلزمه الفداء ، بخلاف البيع ؛ لأن محل الجناية باق هنا ، والجناية لا تنافي الرهن .

قلت : قال البغوي أيضا : يكون ملتزما للفداء . ولكن الأكثرون قالوا كقول ابن الصباغ منهم الشيخ أبو حامد ، والماوردي ، وصاحب العدة وغيرهم . قالوا : هو مخير بين فدائه وتسليمه للبيع في الجناية . فإن فداه ، بقي الرهن ، وإلا بيع في الجناية ، وبطل الرهن إن استغرقه الأرش ، وإلا بيع بقدره ، واستقر الرهن في الباقي . وإذا قلنا : لا يصح رهن الجاني ، فسواء كان الأرش درهما ، والعبد يساوي الوفاء ، أم غير ذلك ، نص عليه الشافعي رضي الله عنه والأصحاب . وأما إثبات الخيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه رهنه ، ففيه تفصيل في " الحاوي " وغيره . إن كان عالما بالجناية ، فلا خيار في الحال . فإن اقتص منه في طرفه ، بقي رهنا ، ولا خيار للمرتهن في البيع ، لعلمه بالعيب . وإن قتل قصاصا ، فإن قلنا : إنه من ضمان البائع ، فله الخيار كما لو بان مستحقا ، وإن قلنا : من ضمان المشتري ، فلا خيار ؛ لأنه معيب علم به ، وإن عفا مستحق القصاص على ماله ، فإن فداه ، بقي رهنا ، ولا خيار للمرتهن ، وإن بيع للجناية ، بطل الرهن . وفي الخيار وجهان . وإن عفا عن القصاص ، سقط أثر الجناية . أما إذا كان جاهلا بالجناية ، فإن علم قبل استقرار حكمها ، يخير . فإن فسخ ، وإلا فيصير عالما ، وحكمه ما سبق . وإن لم يعلم إلا بعد استقرار حكمها على قصاص طرف لم يبطل الرهن بالقصاص ، لكن [ ص: 46 ] للمرتهن الخيار . وإن كان قصاص نفس ، بطل الرهن . وفي الخيار الوجهان . وإن استقر حكمها على مال ، فإن فداه ، كان كالعفو على مال . وإن بيع ، بطل الرهن . وفي الخيار الوجهان . وإن عفا بلا مال ، سقط أثر الجناية ، ثم إن لم يتب العبد من الجناية وكان مصرا ، فهذا عيب ، فللمرتهن الخيار . وإن تاب ، فهل ذلك عيب في الحال ؟ وجهان . فإن قلنا : عيب ، فله الخيار ، وإلا ، فوجهان . أحدهما : يعتبر الابتداء فيثبته . والآخر : ينظر في الحال ، هذا كلام صاحب الحاوي وفيه نفائس . والله أعلم .

وإذا قلنا : يصح رهن الجاني جناية توجب القصاص ، ولا يصح إذا أوجبت مالا ، فرهن والواجب القصاص ، فعفا على مال ، فهل يبطل الرهن من أصله ، أم يكون كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو لم يبع في الجناية ؟ وجهان . اختار الشيخ أبو محمد أولهما . فعلى هذا لو كان العبد حفر بئرا في محل عدوان ، فمات فيها بعدما رهن إنسان ، ففي تبين الفساد ، وجهان . والفرق أنه رهن في الصورة الأولى وهو جان .

التالي السابق


الخدمات العلمية