صفحة جزء
فصل

في تخلل الخمر وتخليلها

الخمر نوعان . أحدهما : محترمة ، وهي التي اتخذ عصيرها ليصير خلا ، وإنما كانت محترمة ؛ لأن اتخاذ الخل جائز بالإجماع ، ولا ينقلب العصير إلى الحموضة إلا بتوسط الشدة ، فلو لم يحترم وأريق في تلك الحال ، لتعذر اتخاذ الخل . النوع الثاني : غير محترمة ، وهي التي اتخاذ عصيرها للخمرية . ثم في النوعين مسائل .

إحداها : تخليل الخمر بطرح العصير ، أو الملح ، أو الخل ، أو الخبز الحار ، أو غيرها

[ فيها ] حرام . والخل الحاصل منها نجس لعلتين إحداهما : تحريم التخليل . والثانية : نجاسة المطروح بالملاقاة ، فتستمر نجاسته ، إذ لا مزيل لها ، ولا ضرورة إلى الحكم بانقلابه طاهرا ، بخلاف أجزاء الدن . ثم سواء في هذا الخمر [ ص: 73 ] المحترمة وغيرها ، والمطروح قصدا ، أو اتفاقا ، كإلقاء الريح . وفي وجه : يجوز تخليل المحترمة . وفي وجه : تطهر إذا طرح بغير قصد . والصحيح : الأول . ولو طرح في العصير بصلا ، أو ملحا ، واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد ، فوجهان . أحدهما : يطهر ؛ لأنه لاقاه في حال طهارته كأجزاء الدن . وأصحهما : لا ؛ لأن المطروح تنجس بالتخمر ، فيستمر ، بخلاف أجزاء الدن للضرورة . ولو طرح العصير على الخل ، وكان العصير غالبا يغمر الخل عند الاشتداد ، ففي طهارته إذا انقلب خلا هذان الوجهان . ولو كان الخل غالبا يمنع العصير من الاشتداد ، فلا بأس .

المسألة الثانية : إمساك المحترمة لتصير خلا ، جائز ، وغير المحترمة يجب إراقتها . فلو لم يرقها فتخللت ، طهرت ; لأن النجاسة والتحريم للشدة ، وقد زالت ، وحكي وجه : أنه لو أمسك غير المحترمة فتخللت لم تطهر . وحكى الإمام عن بعض الخلافيين : أنه لا يجوز إمساك المحترمة ، بل طريقه أن يعرض عن العصير إلى أن يصير خلا ، فإن اتفق رؤيته إياه خمرا ، أراقه ، وهذان شاذان منكران .

فرع

متى عادت الطهارة بالتخلل ، طهرت أجزاء الظرف للضرورة ، وعن الداركي : إن لم يتشرب شيئا من الخمر كالقوارير ، طهر ، وإلا ، فلا ، والصواب المعروف : الطهارة مطلقا . وكما يطهر ما يلاقي الخل بعد التخلل ، يطهر ما فوقه مما أصابه الخمر في حال الغليان ، قاله القاضي حسين ، وأبو الربيع الأيلاقي .

قلت : هو بكسر الهمزة ، وبالياء المثناة تحت ، وبالقاف منسوب إلى إيلاق ، وهي ناحية من بلاد الشاش ، واسم أبي الربيع هذا : طاهر بن عبد الله ، إمام جليل ، من أصحاب القفال المروزي ، وأبي إسحاق الإسفراييني . والله أعلم .

[ ص: 74 ] الثالثة : لو كان ينقلها من الظل إلى الشمس وعكسه ، أو يفتح رأسها ليصيبها الهواء استعجالا للحموضة ، طهرت على الأصح ، وقال أبو سهل الصعلوكي : لا تطهر ، والمحترمة أولى بالطهارة .

فرع

عن الشيخ أبي علي ، خلاف في صحة بيع الخمر المحترمة ، بناء على الخلاف في طهارتها ، وقد سبق في الطهارة . وإذا استحالت أجواف حبات العناقيد خمرا ، ففي بيعها اعتمادا على طهارة ظاهرها ، وتوقع طهارة باطنها ، وجهان ، وطردوهما في البيضة المستحيل باطنها دما ، والصحيح : المنع .

التالي السابق


الخدمات العلمية