صفحة جزء
فصل

اليد على المرهون ، مستحقة للمرتهن ; لأنها مقصود التوثق . فما لا منفعة فيه مع بقاء عينه ، كالنقود والحبوب ، لا تزال يد المرتهن عنه . وأما غيره ، فإن أمكن تحصيل الغرض مع بقائه في يد المرتهن ، تعين فعله جمعا بين الحقين ، وإنما تزال يده عند اشتداد الحاجة إليه . فإن كان العبد مكتسبا وتيسر استكسابه هناك لم يخرج من يده إن أراد الراهن الاستكساب . فإن أراد الاستخدام أو الركوب أو غيرهما من الانتفاع المحوج إلى إخراجه من يده ، ففي قول قديم : لا يخرج ، والمشهور : أنه يخرج . ثم إن استوفى تلك المنافع بإعارة لعدل ، أو إجارة بشرطها السابق ، فله ذلك . وإن أراد استيفاءها بنفسه ، قال في " الأم " : له ذلك ، ومنعه في القديم ، فحمل حاملون الأول على الثقة المأمون جحوده . والثاني : على غيره . وقال آخرون : هما قولان مطلقا ، وهذا أصح .

قلت : المذهب : جوازه مطلقا . والله أعلم .

[ ص: 81 ] وفرع الإمام والغزالي على الجواز : أنه إن وثق المرتهن بالتسليم ، فذاك ، وإلا أشهد عليه شاهدين أنه يأخذه للانتفاع ، فإن كان موثوقا به عند الناس ، مشهور العدالة لم يكلف الإشهاد في كل أخذة على الأصح . فإن كان المرهون جارية ، فأراد أخذها للاستخدام لم يمكن منه ، إلا إذا أمن غشيانه ، بأن كان محرما ، أو ثقة وله أهل . ثم إن كان له إخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدوم استيفاؤها ، فذاك . وإن كانت تستوفى

[ في ] بعض الأوقات ، كالركوب ، والاستخدام ، استوفي نهارا ، ورد إلى المرتهن ليلا .

فرع

ليس للراهن المسافرة به بحال وإن قصر سفره ، لما فيه من الخطر . ولهذا منع زوج الأمة من السفر بها . وإنما جاز لسيدها السفر بها لحقه المتعلق بالرقبة ، ولئلا يمتنع من تزويجها ، ويجوز للحر السفر بزوجته الحرة .

فرع

كلام الغزالي يدل على أنه لا ينتزع العبد من يد المرتهن إذا أمكن استكسابه ، وإن طلب الراهن خدمته ، ولم يتعرض الأكثر لذلك . ومقتضى كلامهم : أن له الاستخدام مع إمكان الاستكساب .

قلت : كلام الغزالي ، محمول على موافقة الأصحاب ، وقد ذكرت تأويله في شرح الوسيط . والله أعلم .

[ ص: 82 ] فرع

لا تزال يد البائع عن العبد المحبوس بالثمن بسبب الانتفاع ؛ لأن ملك المشتري غير مستقر قبل القبض ، وملك الراهن مستقر . وهل يستكسب في يده للمشتري ، أم تعطل منافعه ؟ فيه خلاف للأصحاب .

قلت : الأرجح : استكسابه . والله أعلم .

فرع

التصرفات التي منع بها الراهن لحق المرتهن ، إذا أذن فيها ، نفذت . فإن أذن في الوطء ، حل ، فإن لم تحبل ، فالمرهون والرهن بحاله . وإن أحبل ، أو أعتق ، أو باع بالإذن ، نفذت وبطل الرهن ، وله الرجوع عن الإذن قبل تصرف الراهن . وإذا رجع ، فالتصرف بعده تصرف بلا إذن . ولو أذن في الهبة والإقباض ، ورجع قبل الإقباض ، صح وامتنع الإقباض . ولو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار ، فرجع المرتهن لم يصح رجوعه على الأصح ؛ لأن البيع مبني على اللزوم . ولو رجع عن الإذن ولم يعلم الراهن ، فتصرف لم ينفذ على الأصح . ومتى أحبل ، أو أعتق ، أو باع وادعى الإذن ، فالقول قول المرتهن مع يمينه . فإن حلف ، فتصرفه بغير إذن . وإن نكل ، فحلف الراهن ، فهو كالتصرف بالإذن . فإن نكل الراهن ، ففي رد اليمين على الجارية والعبد ، طريقان . أحدهما : على القولين في الرد على الغرماء إذا نكل الوارث . وأصحهما : القطع بالرد ; لأن الغرماء يثبتون الحق ابتداء للميت ، وهذان يثبتان لأنفسهما . ولو اختلف الراهن وورثة المرتهن ، حلفوا على نفي العلم . ولو اختلف المرتهن وورثة الراهن ، حلفوا يمين الرد على البت . وفي [ ص: 83 ] ثبوت إذن المرتهن برجل وامرأتين ، وجهان حكاهما ابن كج ، القياس : المنع ، كالوكالة .

فرع

لو حصل عند المرهونة ولد ، فقال الراهن : وطئتها بإذنك فأتت بهذا الولد مني وهي أم ولد ، فقال المرتهن : بل هو من زوج أو زنى ، فالقول قول الراهن بلا يمين ؛ لأنه إذا أقر بكون الولد منه لم يقبل رجوعه ، فلا يحلف ، وإنما يقبل قوله بشرط أن يسلم له المرتهن أربعة أشياء ، وهي : الإذن في الوطء ، وأنه وطئ ، وأنها ولدت ، وأنها مضت مدة إمكان الولد منه . فإن أنكر واحدا من الأربعة ، فالقول قوله ؛ لأن الأصل عدمه . وفي وجه : القول قول الراهن في الوطء ، ولو لم يتعرض المرتهن لهذه الأشياء منعا وتسليما ، واقتصر على إنكار الاستيلاد ، فالقول قوله ، وعلى الراهن إثبات هذه الأشياء .

فرع

لو أعتق أو وهب بإذن المرتهن ، بطل حقه من الرهن ، سواء كان دينه حالا أو مؤجلا ، وليس عليه أن يجعل قيمته رهنا مكانه . ولو باع بإذنه والدين مؤجل ، فكذلك . وإن كان حالا ، قضى حقه من ثمنه ، وحمل إذنه المطلق على البيع لغرضه . ولو أذن بشرط أن يجعل الثمن رهنا مكانه ، فقولان ، سواء كان الدين حالا ، أو مؤجلا . أظهرهما : يبطل الإذن والبيع . والثاني : يصحان ، ويلزم الراهن الوفاء بالشرط . ولو أذن في الإعتاق بشرط جعل القيمة رهنا ، أو في الوطء بهذا [ ص: 84 ] الشرط ، إن أحبل ، ففيه القولان . ولو أذن في البيع بشرط أن يجعل حقه من ثمنه وهو مؤجل ، فالصحيح المنصوص : فساد البيع والإذن ، لفساد الشرط . وفي قول مخرج : يصحان ، ويجعل الثمن رهنا مكانه . ولو اختلفا فقال المرتهن : أذنت بشرط أن ترهن الثمن ، فقال الراهن : بل أذنت مطلقا ، فالقول قول المرتهن . ثم إن كان الاختلاف قبل البيع ، فليس له البيع . وإن كان بعده ، وحلف المرتهن ، فإن صححنا الإذن ، فعلى الراهن رهن الثمن ، وإلا ، فإن صدق المشتري المرتهن ، فالبيع باطل ويبقى مرهونا . وإن كذبه ، نظر ، إن أنكر أصل الرهن ، حلف ، وعلى الراهن أن يرهن قيمته ، وإن أقر بكونه مرهونا ، وادعى مثل ما ادعاه الراهن ، فعليه رد المبيع ويمين المرتهن حجة عليه . قال الشيخ أبو حامد : ولو أقام المرتهن بينة أنه كان مرهونا ، فهو كإقرار المشتري به .

فرع

منقول عن " الأم "

لو أذن المرتهن للراهن في ضرب العبد المرهون ، فهلك في الضرب ، فلا ضمان ; لأنه تولد من مأذون فيه ، كما لو أذن في الوطء وأحبل . ولو قال : أدبه ، فضربه فهلك ، لزمه الضمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية