صفحة جزء
فصل

الديون التي على الميت ، تتعلق بتركته قطعا . وقد سبق في آخر باب زكاة الفطر ، أن هذا التعلق لا يمنع الإرث على الصحيح . فعلى هذا ، في كيفيته قولان ، ويقال : وجهان . أحدهما : كتعلق الأرش برقبة الجاني . وأظهرهما : كتعلق الدين بالمرهون ؛ لأن الشارع إنما أثبت هذا التعلق نظرا للميت ، لتبرأ ذمته ، فاللائق به ، أن لا يسلط [ ص: 85 ] الوارث عليه . فلو أعتق الوارث أو باع وهو معسر لم يصح قطعا ، سواء جعلناه كالجاني أو كالمرهون . ويجيء في الإعتاق خلاف ، فإن كان موسرا ، نفذ في وجه ، بناء على تعلق الأرش ، ولا ينفذ في وجه ، بناء على تعلق المرهون . وفي وجه : هما موقوفان . فإن قضي الدين ، تبينا نفوذهما ، وإلا ، فلا . ولا فرق بين كون الدين مستغرقا للتركة ، أو أقل منها على الأصح على قياس المرهون . والثاني : إن كان الدين أقل ، نفذ تصرف الوارث إلى أن لا يبقى إلا قدر الدين ; لأن الحجر في مال كثير لشيء حقير ، بعيد . وإذا حكمنا ببطلان تصرف الوارث ، فلم يكن على التركة دين ظاهر ، فتصرف ، ثم ظهر دين ، بأن كان باع شيئا وأكل ثمنه ، فرد بالعيب ، ولزم رد الثمن ، أو سقط ساقط في بئر كان احتفرها عدوانا ، فوجهان . أحدهما : تبين فساد التصرف لتقدم سبب الدين ، فألحق بالمقارن . وأصحهما : لا يفسد . فعلى هذا ، إن أدى الوارث الدين ، وإلا ، فوجهان . أصحهما : يفسخ ذلك التصرف ليصل إلى المستحق حقه . والثاني : لا ، بل يطالب الوارث بالدين ، ويجعل كالضامن ، وللوارث على كل حال أن يمسك عين التركة ويؤدي الدين من خالص ماله . ولو كان الدين أكثر من التركة ، فقال الوارث : آخذها بقيمتها ، وأراد الغرماء بيعها لتوقع زيادة راغب ، أيهما يجاب ؟ وجهان . أصحهما : الوارث . وفي تعلق حق الغرماء بزوائد التركة ، كالكسب والنتاج ، خلاف مبني على أن الدين يمنع الإرث ، أم لا ؟ إن منع ، تعلق ، وإلا ، فلا .

قلت : سواء تصرف الوارث في جميع التركة أو في بعضها ، ففيه الخلاف السابق ، وسواء علم الوارث بالدين المقارن ، أم لا ، قاله الشيخ نصر المقدسي ؛ لأن ما يتعلق بحقوق الآدميين ، لا يختلف به . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية