صفحة جزء
فصل

فيما يتعلق به حق الوثيقة

وهي متعلقة بعين المرهون قطعا . وأما غير العين ، فضربان :

أحدهما : بدل العين فلو جنى على المرهون ، وأخذ الأرش ، وانتقل الرهن إليه ، كما ينتقل الملك لقيامه مقام الأصل ، ويجعل في يد من كان الأصل في يده . وما دام الأرش في ذمة الجاني ، هل يحكم بأنه مرهون ؟ وجهان . أحدهما : لا ; لأن الدين لا يكون رهنا . فإذا تعين ، صار مرهونا ، والحالة المتخللة ، كتخمر العصير وتخلله بعد . والثاني : نعم ; لأنه مال بخلاف الخمر ، وإنما يمتنع رهن الدين ابتداء .

قلت : الثاني : أرجح ، وبالأول قطع المراوزة . والله أعلم .

والخصم في بدل المرهون ، هو الراهن . فلو ترك الخصومة ، فهل يخاصم المرتهن ؟ قولان . أظهرهما عند الأصحاب : لا ، كذا قاله في " التهذيب " .

[ ص: 101 ] قلت : وقطع الإمام ، والغزالي ، بأنه يخاصم . والله أعلم .

وإذا خاصم الراهن ، فللمرتهن حضور خصومته ، لتعلق حقه بالمأخوذ . ثم إن أقر الجاني ، أو أقام الراهن بينة ، أو حلف بعد نكول المدعى عليه ، ثبتت الجناية . وإن نكل الراهن ، فهل يحلف المرتهن ؟ قولان ، كغرماء المفلس إذا نكل .

فرع

إذا ثبتت الجناية ، فإن كانت عمدا ، فللراهن أن يقبض ويبطل حق المرتهن . وإن عفا عن القصاص ، ثبت المال إن قلنا : مطلق العفو يقتضي المال ، وإلا لم يجب ، وهو الأصح ، كذا قاله في التهذيب . وإن عفا على أن لا مال ، فإن قلنا : يوجب العمد أحد الأمرين لم يصح عفوه عن المال ، وإن قلنا : موجبه القود ، فإن قلنا العفو المطلق لا يوجب المال لم يجب شيء ، وإن قلنا : يوجبه ، فالأصح : أنه لا يجب أيضا ; لأن القتل لم يوجبه ، وإنما يجب بعفوه ، وذلك نوع اكتساب ، ولا يجب عليه الاكتساب للمرتهن . وإن لم يقبض ولم يعف ، فقيل : يجبر على أحدهما . وقيل : إن قلنا : موجبه أحد الأمرين ، أجبر ، وإلا ، فلا ; لأنه يملك إسقاطه ، فتأخيره أولى بأن يملكه .

قلت : ينبغي أن يقال : إن قلنا : إذا عفا على أن لا مال لا يصح ، أجبر ، وإلا ، فلا . والله أعلم .

وإن كانت الجناية خطأ ، أو عفا ووجب المال ، فعفا عنه لم يصح عفوه على المشهور لحق المرتهن . وفي قول العفو موقوف ، ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن ، [ ص: 102 ] فإن انفك الرهن ، رد إلى الجاني ، وبان صحة العفو ، وإلا بان بطلانه . ولو أراد الراهن المصالحة عن الأرش الواجب على جنس آخر لم يصح إلا بإذن المرتهن . وإذا أذن ، صح وكان المأخوذ مرهونا ، كذا نقلوه .

ولو أبرأ المرتهن الجاني لم يصح ، لكن لا يسقط حقه من الوثيقة على الأصح ; لأنه لم يصح الإبراء ، فلا يصح ما تضمنه . كما لو وهب المرهون لرجل .

الضرب الثاني : زوائده ، فإن كانت متصلة ، كسمن العبد ، وكبر الشجرة ، تبعت الأصل في الرهن . وإن كانت منفصلة ، كالثمرة ، والولد ، واللبن ، والبيض ، والصوف لم يسر إليها الرهن ، وكذا الأكساب والمهر ، وما أشبه ذلك مما يحدث بعد الرهن . ولو رهن حاملا ، واحتيج إلى بيعها حاملا ، بيعت كذلك في الدين ، لأنا إن قلنا : الحمل يعلم ، فكأنه رهنهما ، وإلا ، فقد رهنها والحمل محض صفة . ولو ولدت قبل البيع ، فهل الولد رهن قولان . إن قلنا : الحمل لا يعلم ، فلا ، وإلا فنعم . وقيل : قولان ، لضعف الرهن عن الاستتباع . فإن قلنا : لا ، فقال في ابتداء العقد : رهنتها مع حملها ، لا يكون مرهونا على الأصح . ولو جاز ذلك ، لجاز إفراده بالرهن . أما إذا حبلت بعد الرهن ، وكانت يوم البيع حاملا ، فإن قلنا : لا يعلم ، بيعت ، وهو كالسمن ، وإلا ، فلا يكون مرهونا ، ويتعذر بيعها ; لأن استثناء الحمل متعذر ، ولا سبيل إلى بيعها حاملا وتوزيع الثمن ; لأن الحمل لا تعرف قيمته .

فرع

لو رهن نخلة ، ثم أطلعت ، فطريقان : أحدهما : أن بيعها مع الطلع ، على القولين كالحمل . والثاني : القطع بأن الطلع غير مرهون . فعلى هذا يباع النخل ، ويستثنى [ ص: 103 ] الطلع ، بخلاف الحامل . ولو كانت مطلعة وقت الرهن ، ففي دخول الطلع ، على ما سبق في الباب الأول . فإن أدخلناه ، فكان وقت البيع طلعا بعد ، بيع مع النخلة ، وإن كانت قد أبرت ، فطريقان :

أحدهما : على القولين ، كما لو ولدت الحامل . والثاني : القطع ببيعه مع النخلة ; لأنه معلوم مشاهد وقت الرهن .

فرع

الاعتبار في مقارنة الولد الرهن وحدوثه ، وسائر الزوائد ، بحالة العقد على الصحيح . وقيل : بحالة القبض ; لأن الرهن به يلزم .

فرع

أرش البكارة ، وأطراف العبد مرهون لأنهما ليسا من الزوائد ، بل بدل جزء .

فرع

ضرب الرجل الجارية المرهونة ، فألقت جنينا ميتا ، لزم الضارب عشر قيمة الأم ، ولا يكون مرهونا ; لأنه بدل الولد ، فإن دخلها نقص لم يجب بسببه شيء ، ولكن قدر أرش النقص من العشر يكون رهنا ، فإن ألقته حيا ومات ، ففيما يلزم الجاني قولان . أظهرهما : قيمة الجنين حيا ، وأرش نقصان الأم إن نقصت . فعلى هذا ؛ القيمة للراهن ، والأرش مرهون . والثاني : أكثر الأمرين من أرش النقص ، وقيمة الجنين . فعلى هذا ، إن كان الأرش أكثر ، فالمأخوذ رهن كله . وإن كانت القيمة [ ص: 104 ] أكثر ، فقدر الأرش رهن . وأما البهيمة المرهونة ، إذا ضربت فألقت جنينا ميتا ، فلا شيء على الضارب سوى أرش النقص إن نقصت ، ويكون رهنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية