صفحة جزء
فصل

لو ادعى رجل على رجلين أنهما رهناه عبدهما بمائة ، وأقبضاه ، فأنكرا الرهن ، أو الرهن والدين جميعا ، فالقول قولهما مع اليمين . وإن صدقه أحدهما ، فنصيبه رهن بخمسين ، والقول قول المكذب في نصيبه مع يمينه . فلو شهد المصدق للمدعي على شريك المكذب ، قبلت شهادته ، فإن شهد معه آخر ، وحلف المدعي ، ثبت رهن الجميع . ولو زعم كل منهما أنه ما رهن نصيبه ، وأن شريكه رهن ، وشهد عليه ، فوجهان . ويقال : قولان : أحدهما : لا تقبل شهادته ; لأن كل واحد يزعم أن صاحبه كاذب ظالم بالجحود . وطعن المشهود له في الشاهد ، يمنع قبول شهادته له . وأصحهما : تقبل ، وبه قال الأكثرون ; لأنه ربما نسيا . فإن تعمدا ، فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق . ولهذا ، لو تخاصم رجلان في شيء ، ثم شهدا في حادثة ، قبلت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم . فعلى هذا ، إذا حلف مع [ ص: 114 ] كل واحد ، أو أقام شاهدا آخر ، ثبت رهن الجميع . وقال ابن القطان : الذي شهد أولا يقبل ، دون الآخر ; لأنه انتهض خصما منتقما .

فرع

ادعى رجلان على رجل أنه رهنهما وأقبضهما ، فإن صدقهما أو كذبهما لم يخف الحكم . وإن صدق أحدهما ، فنصف العبد رهن عنده ، ويحلف للآخر . وهل تقبل شهادة المصدق للمكذب ؟ قال ابن كج : نعم . وقال الآخرون : لا . وحكى الإمام والغزالي وجهين بناء على أن الشريكين إذا ادعيا حقا أو ملكا بابتياع أو غيره ، فصدق أحدهما ، هل يستبد بالنصف ، أم يشاركه الآخر فيه ؟ فيه وجهان . إن قلنا : يستبد ، قبلت ، وإلا ، فلا ; لأنه متهم . وقال البغوي : إن لم ينكر إلا الرهن ، قبل . وإن أنكر الرهن والدين ، فحينئذ يفرق بين دعواهما الإرث وغيره . والذي ينبغي أن يفتى به ، القبول إن كانت الحال لا تقتضي الشركة ، والمنع إن اقتضت ; لأنه متهم .

فرع

منصوص عليه

ادعى زيد وعمرو على ابني بكر ، أنهما رهنا عندهما عبدهما المشترك بينهما بمائة ، فصدقا أحد المدعيين ، ثبت ما ادعاه ، وكان له على كل واحد منهما ربع المائة ، ونصف نصيب كل واحد منهما مرهون به . وإن صدق أحد الابنين زيدا ، والآخر عمرا ، ثبت الرهن في نصف العبد ، لكل واحد من المدعيين في ربعه بربع المائة . فلو شهد [ ص: 115 ] أحد الاثنين على أخيه ، قبلت . ولو شهد أحد المدعيين للآخر ، فعلى ما ذكرناه في الصورة الثانية .

فرع

منصوص في المختصر

ادعى رجلان على رجل ، فقال كل واحد : رهنتني عبدك هذا وأقبضتنيه ، فإن كذبهما ، فالقول قوله ، ويحلف لكل واحد يمينا . وإن كذب أحدهما ، وصدق الآخر ، قضي بالرهن للمصدق . وفي تحليفه للمكذب قولان . أظهرهما : لا . فإن قلنا : يحلف ، فنكل ، فحلف المكذب يمين الرد ، ففيما يستفيد بها وجهان . أحدهما : يقضى له بالرهن وينزع من الأول . وأصحهما : يأخذ القيمة من المالك ، ليكون رهنا عنده . وإن صدقهما جميعا ، نظر ، فإن لم يدعيا السبق ، أو ادعاه كل منهما ، وقال المدعى عليه : لا أعرف السابق ، وصدقاه ، فوجهان . أحدهما : يقسم بينهما ، كما لو تنازعا شيئا في يد ثالث فاعترف لهما ، وأصحهما : يحكم ببطلان العقد ، كما لو زوج وليان ولم يعرف السابق . وإن ادعى كل واحد السبق ، وأن الراهن عالم بصدقه ، فالقول قوله مع يمينه . فإن نكل ، ردت اليمين عليهما . فإن حلف أحدهما ، قضي له . وإن حلفا ، أو نكلا ، تعذر معرفة السابق ، وعاد الوجهان . وإن صدق أحدهما في السبق ، وكذب الآخر ، قضي للمصدق . وهل يحلفه المكذب ؟ فيه القولان السابقان . وحيث قلنا : مقتضى الصدق ، فذلك إذا لم يكن العبد في يد المكذب . فإن كان ، فقولان . أحدهما : يقضى لصاحب اليد . وأظهرهما : المصدق يقدم ; لأن اليد لا دلالة لها على الرهن . ولو كان العبد في أيديهما ، [ ص: 116 ] فالمصدق مقدم في النصف الذي في يده ، وفي النصف الآخر ، القولان . والاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق القبض ، لا العقد . حتى لو صدق هذا في سبق العقد ، وهذا في سبق القبض ، قدم الثاني .

قلت : ولو قال المدعى عليه : رهنته عند أحدكما ، ونسيت ، حلف على نفي العلم . فإن نكل ، ردت عليهما ، فإن حلفا ، أو نكلا ، انفسخ العقد على المذهب الذي قطع به الجماهير في الطرق ، ونقله الإمام وغيره عن الأصحاب . وخرج وجه : أنه لا ينفسخ ، بل يفسخه الحاكم ، وبهذا الوجه قطع صاحب الوسيط ، وهو شاذ ضعيف . وإن حلف الراهن على نفي العلم ، تحالفا على الصحيح ، كما لو نكل . وفي وجه : انتهت الخصومة . والله أعلم .

فرع

دفع متاعا إلى رجل ، وأرسله إلى غيره ليستقرض منه للدافع ويرهن المتاع ، ففعل ، ثم اختلفا ، فقال المرسل إليه : استقرض مائة ورهنه بها ، وقال المرسل : لم آذن إلا في خمسين ، نظر ، إن صدق الرسول المرسل ، فالمرسل إليه مدع على المرسل بالإذن ، وعلى الرسول بالأخذ ، فالقول قولهما في نفي دعواه . وإن صدق المرسل إليه ، فالقول في نفي الزيادة قول المرسل ، ولا يرجع المرسل إليه على الرسول بالزيادة إن صدقه في الدفع إلى المرسل ; لأنه مظلوم بزعمه . وإن لم يصدقه ، رجع عليه . هكذا ذكره ، وفيه إشكال ، وينبغي أن يرجع على الرسول وإن صدقه في الدفع إلى المرسل .

التالي السابق


الخدمات العلمية