صفحة جزء
فرع

استتار الثمار بالأكمة وظهورها بالتأبير ، قريبان من استتار الجنين وظهوره بالانفصال . وفيها الأحوال الأربع المذكورة في الجنين . أولها : أن يشتري نخلا عليها ثمرة غير مؤبرة كانت عند الرجوع غير مؤبرة أيضا .

وثانيها : أن يشتريها ولا ثمرة عليها ، ثم حدث بها ثمرة عند الرجوع مؤبرة ، أو مدركة ، أو مجذوذة ، فحكمها ما ذكرناه في الحمل . وثالثها : إذا كانت ثمرتها عند الشراء غير مؤبرة ، وعند الرجوع مؤبرة ، فطريقان : أحدهما : أن أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملا عند البيع ووضعت عند الرجوع . والثاني : القطع بأخذها ; لأنها [ ص: 162 ] وإن كانت مستترة ، فهي شاهدة موثوق بها ، قابلة للإفراد بالبيع ، وكانت أحد مقصودي البيع ، فرجع فيها رجوعه في النخيل .

ورابعها : إذا كانت النخلة عند الشراء غير مطلعة ، وأطلعت عند المشتري ، وكانت يوم الرجوع غير مؤبرة ، فقولان . أظهرهما وهو رواية المزني وحرملة : يأخذ الطلع مع النخل ; لأنه تبع في البيع ، فكذا هنا . والثاني : لا يأخذه وهو رواية الربيع ; لأنه يصح إفراده فأشبه المؤبرة . وقيل : لا يأخذه قطعا . قال الشيخ أبو حامد : وعلى هذا قياس الثمرة التي لم تؤبر . فحيث أزال الملك باختياره بعوض ، بيع ما لم يؤبر . وإن زال قهرا بعوض ، كالشفعة ، والرد بالعيب ، فالتبعية على هذين القولين . وإن زال بلا عوض ، باختيار أو قهر ، كالرجوع بهبة الولد ، ففيه أيضا القولان .

وحكم باقي الثمرة وما يلتحق منها بالمؤبرة ، وما لا أوضحناه في البيع . فإذا قلنا برواية المزني ، فجرى التأبير والرجوع ، فقال البائع : رجعت قبل التأبير ، فالثمار لي ، وقال المفلس : بعده ، فالمذهب : أن القول قول المفلس مع يمينه ; لأن الأصل عدم الرجوع حينئذ ، وبقاء الثمار له . قال المسعودي : ويخرج قول : أن القول قوله بلا يمين ، بناء على أن النكول ورد اليمين كالإقرار ، وأنه لو أقر لم يقبل إقراره . وفي قول : القول قول البائع ; لأنه أعرف بتصرفه .

قلت : ينبغي أن يجيء قول : إن القول قول السابق بالدعوى . وقول : إنهما إن اتفقا على وقت التأبير ، واختلفا في الفسخ ، فقول المفلس . وإن اتفقا على وقت الفسخ ، واختلفا في التأبير ، فقول البائع ، كالقولين في اختلاف الزوجين في انقضاء العدة ، والرجعة ، والإسلام . قال صاحب الشامل وغيره : وكذا لو قال البائع : بعتك بعد التأبير ، فالثمرة لي . وقال المشتري : قبله ، فالقول قول البائع مع يمينه ، وقد ذكرت هذه المسألة في اختلاف المتبايعين . والله أعلم .

[ ص: 163 ] فإذا حلف المفلس ، حلف على نفي العلم بسبق الرجوع على التأبير ، لا على نفي السبق .

قلت : فلو أقر البائع أن المفلس لا يعلم تاريخ الرجوع ، سلمت الثمرة للمفلس بلا يمين ؛ لأنه يوافقه على نفي علمه ، قاله الإمام . - والله أعلم - .

فإن حلف ، بقيت الثمار له وإن نكل ، فهل للغرماء أن يحلفوا ؟ فيه الخلاف السابق ، فيما إذا ادعى المفلس شيئا ولم يحلف . فإن قلنا : لا يحلفون وهو المذهب ، أو يحلفون ، فنكلوا ، عرضت اليمين على البائع ، فإن نكل ، فهو كما لو حلف المفلس . وإن حلف ، فإن جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبينة ، فالثمرة له . وإن جعلناها كالإقرار ، فعلى القولين في قبول إقرار المفلس في مزاحمة المقر له الغرماء . فإن لم يقبله ، صرفت الثمار إلى الغرماء . فإن فضل شيء ، أخذه البائع بحلفه السابق . هذا إذا كذب الغرماء البائع ، كما كذبه المفلس . فإن صدقوه ، لم يقبل قولهم على المفلس ، بل إذا حلف ، بقيت الثمار له ، وليس لهم طلب قسمتها ، لأنهم يزعمون أنها للبائع ، وليس له التصرف فيها ، للحجر ، واحتمال أن يكون له غريم آخر ، لكن له إجبارهم على أخذها إن كانت من جنس حقهم ، أو إبراء ذمته من ذلك القدر ، هذا هو الصحيح ، كما لو جاء المكاتب بالنجم ، فقال السيد : غصبته ، فيقال : خذه ، أو أبرئه عنه . وفي وجه : لا يجبرون ، بخلاف المكاتب ؛ لأنه يخاف العود إلى الرق إن لم يأخذه ، وليس على المفلس كبير ضرر . وإذا أجبروا على أخذها ، فللبائع أخذها منهم لإقرارهم . وإن لم يجبروا وقسمت أمواله ، فله طلب فك الحجر إذا قلنا : لا يرتفع بنفسه . ولو كانت من غير جنس حقوقهم ، فبيعت وصرف ثمنها إليهم تفريعا على الإجبار ، لم يتمكن [ ص: 164 ] البائع من أخذه منهم ، بل عليهم رده إلى المشتري . فإن لم يأخذه ، فهو مال ضائع .

قلت : هذا هو الصحيح المعروف . وفي " الحاوي " وجه شاذ : أنه يجب عليهم دفع الثمن إلى البائع ؛ لأنه بدل الثمرة فأعطي حكمها ، والصواب ما سبق . - والله أعلم - .

ولو كان في المصدقين عدلان شهدا للبائع بصيغة الشهادة وشرطها ، أو عدل وحلف معه البائع ، قضي له . كذا أطلق الشافعي - رضي الله عنه - وجماهير الأصحاب ، وأحسن بعض الشارحين للمختصر ، فحمله على ما إذا شهدا قبل تصديق البائع . ولو صدق بعض الغرماء البائع ، وكذبه بعضهم ، فللمفلس تخصيص المكذبين بالثمرة . فلو أراد قسمتها على الجميع ، فوجهان . قال أبو إسحاق : له ذلك ، كما لو صدقه الجميع . وقال الأكثرون : لا ؛ لأن المصدق يتضرر ، لكون البائع يأخذ منه ما أخذ ، والمفلس لا يتضرر بعدم الصرف إليه ، لإمكان الصرف إلى من كذب ، بخلاف ما إذا صدقه الجميع . وإذا صرف إلى المكذبين ، ولم يف بحقوقهم ، ضاربوا المصدقين في باقي الأموال ببقية دينهم مؤاخذة لهم على الأصح المنصوص - وفي وجه : بجميع ديونهم - لأن زعم المصدقين ، أن شيئا من ديون المكذبين لم يتأد . هذا كله إذا كذب المفلس البائع ، فلو صدقه ، نظر ، إن صدقه الغرماء أيضا ، قضي له . وإن كذبوه وزعموا أنه أقر بمواطأة ، فعلى القولين بإقراره بعين أو دين . إن قلنا : لا يقبل ، فللبائع تحليف الغرماء أنهم لا يعرفون رجوعه قبل التأبير على المذهب . وقيل : في تحليفهم القولان في حلف الغرماء على الدين ، وهو ضعيف ؛ لأن اليمين هنا توجهت عليهم ابتداء ، وهناك ينوبون عن المفلس . واليمين لا تجري فيها النيابة .

قلت : وليس للغرماء تحليف المفلس ؛ لأن المقر لا يمين عليه فيما أقر به ، قاله في " الحاوي " وغيره . - والله أعلم - .

[ ص: 165 ] فرع

الاعتبار في انفصال الجنين وتأبير الثمار بحال الرجوع دون الحجر ؛ لأن ملك المفلس باق إلى أن يرجع البائع .

التالي السابق


الخدمات العلمية