صفحة جزء
فرع

أسلم كافر على أكثر من أربع نسوة ، ومات قبل الاختيار والتعيين ، وقف الميراث بينهن . فإن اصطلحن على القسمة على تفاوت أو تساو جاز للضرورة . ولو اصطلحن على أن تأخذ ثلاث منهم أو أربع المال الموقوف ، ويبذلن للباقيات عوضا من خالص أموالهم ، لم يصح . ونظير المسألة ، ما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان ، ووقف لهما نصيب زوجة فاصطلحتا ، وما إذا ادعى اثنان وديعة في يد رجل ، فقال : لا أعلم لأيكما هي ، وما إذا تداعيا دارا في يدهما ، وأقام كل بينة . ثم اصطلحا . وكذا لو كانت في يد ثالث وقلنا باستعمال البينتين .

قلت : وهذه مسائل تتعلق بالباب .

إحداها : ادعى دارا ، فأقر ، فصالحه على عبد ، فخرج مستحقا ، أو رده بعيب ، أو هلك قبل القبض ، رجعت الدار إلى الأول . وإن وجد به عيبا بعدما هلك ، أو تعيب في يده ، أخذ من الدار بقدر ما نقص من قيمة العبد ، كما لو باعها بعبد .

الثانية : ادعى عليه دارا ، فأنكره ، فقال المدعي : أعطيك ألفا وتقر لي بها ، ففعل ، فليس بصلح ، ولا يلزم الألف ، بل بذله وأخذه حرام . وهل يكون هذا إقرارا ؟ وجهان في " العدة " و " البيان " .

الثالثة : صالح أجنبي عن المدعى عليه بعوض معين ، فوجده المدعي معيبا ، فله [ ص: 203 ] رده ، ولا يرجع ببدله بل ينفسخ الصلح ويرجع إلى خصومة المدعى عليه ، وكذا لو خرج العوض مستحقا . ولو صالحه على دراهم في الذمة ، فأعطاه دراهم ، فوجدها معيبة وردها ، أو خرجت مستحقة ، فله المطالبة ببدلها .

الرابعة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : لو اشترى رجل أرضا وبناها مسجدا ، فجاء رجل فادعاها ، فإن صدقه المشتري ، لزمه قيمتها . وإن كذبه ، فصالحه رجل آخر ، صح الصلح ؛ لأنه بذل مال على جهة القربة ، ولأن القيمة على المشتري ؛ لأنه وقفه . والصلح عما في ذمة غيره بغير إذنه ، جائز .

الخامسة : لو أتلف عليه شيئا قيمته دينار ، فأقر به ، وصالحه على أكثر من دينار ، لم يصح ؛ لأن الواجب قيمة المتلف ، فلم يصح الصلح على أكثر منه ، كمن غصب دينارا ، فصالح على أكثر منه . ولو صالحه عنه بعوض مؤجل ، لم يصح .

السادسة : سبق في أول الباب أن الصلح عن المجهول لا يصح . قال الشافعي - رضي الله عنه - : لو ادعى عليه شيئا مجملا ، فأقر له به وصالحه عنه على عوض ، صح الصلح . قال الشيخ أبو حامد وغيره : هذا إذا كان المعقود عليه معلوما لهما ، فيصح وإن لم يسمياه ، كما لو قال : بعتك الشيء الذي نعرفه أنا وأنت بكذا ، فقال : اشتريت ، صح .

السابعة : إذا أنكر المدعى عليه ، ووكل أجنبيا ليصالح كما سبق ، فهل يحل له التوكيل ؟ وجهان . قال ابن سريج : يحرم عليه الإنكار . ولو فعله فله التوكيل في المصالحة . وقال أبو إسحاق : يحرم عليه أيضا التوكيل . ولو مات مورثه وخلف عينا فادعاها رجل فأنكره ولا يعلم صدقه ، وخاف من اليمين ، جاز أن يوكل أجنبيا في الصلح ، لتزول الشبهة ، حكاه في " البيان " . - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية