صفحة جزء
فرع

في مسائل تتعلق بضمان الدرك

إحداها : من ألفاظ هذا الضمان ، أن يقول للمشتري : ضمنت لك عهدته ، أو دركه ، أو خلاصك منه . ولو قال : ضمنت لك خلاص المبيع ، لم يصح لأنه لا يستقل بتخليصه إذا استحق . ولو ضمن عهدة الثمن وخلاص المبيع معا ، لم يصح ضمان الخلاص . وفي العهدة قولا الصفقة . ولو شرط في البيع كفيلا بخلاص المبيع ، بطل ، بخلاف ما لو شرط كفيلا بالثمن .

الثانية : يشترط أن يكون قدر الثمن معلوما للضامن . فإن لم يكن ، فهو كما لو لم يكن قدر الثمن في المرابحة معلوما .

الثالثة يجوز ضمان المسلم فيه للمسلم إليه لو خرج رأس المال مستحقا بعد تسليم المسلم فيه ، ولا يجوز قبله على الأصح . ولا يجوز ضمان رأس المال للمسلم لو خرج المسلم فيه مستحقا ، لأن المسلم فيه في الذمة والاستحقاق لا يتصور فيه ، وإنما يتصور في المقبوض ، وحينئذ يطالبه المسلم بمثله لا برأس المال .

الرابعة : إذا ظهر الاستحقاق ، فالمشتري يطالب من شاء من البائع والضامن . ولا فرق في الاستحقاق بين أن يخرج مستحقا أو كان شقصا ثبت فيه شفعة ببيع سابق ، فأخذه الشفيع بذلك البيع ، ولو بان فساد البيع بشرط أو غيره ، ففي [ ص: 248 ] مطالبته الضامن ، وجهان . أحدهما : نعم كالاستحقاق . والثاني : لا للاستغناء عنه بإمكان حبس المبيع حتى يسترد الثمن . ولو خرج المبيع معيبا فرده المشتري ، ففي مطالبته الضامن بالثمن ، وجهان ، وأولى بأن لا يطالب ؛ لأن الرد هنا بسبب حادث وهو مختار فيه ، فأشبه الفسخ بخيار شرط أو مجلس أو تقايل ، هذا إذا كان العيب مقرونا بالعقد . أما إذا حدث في يد البائع بعد العقد ، ففي " التتمة " أنه لا يطالب الضامن بالثمن وجها واحدا ؛ لأنه لم يكن سبب رد الثمن مقرونا بالعقد ، ولم يكن من البائع تفريط فيه . وفي العيب الموجود عند العقد ، سبب الرد موجود عند العقد ، والبائع مفرط بالإخفاء ، فالتحق بالاستحقاق على رأي .

قلت : أصح الوجهين الأولين ، لا يطالب . ولو خرج المبيع معيبا وقد حدث عند المشتري عيب ، ففي رجوعه بالأرش على الضامن ، الوجهان . - والله أعلم - .

ولو تلف المبيع قبل القبض بعد قبض الثمن ، وانفسخ العقد ، هل يطالب الضامن بالثمن ؟ إن قلنا ينفسخ من أصله ، فهو كظهور الفساد بغير الاستحقاق . وإن قلنا : من حينه ، فكالرد بالعيب . ولو خرج بعض المبيع مستحقا ، ففي صحة البيع في الباقي قولا الصفقة ، وإن قلنا : يصح وأجاز المشتري ، فإن قلنا : يجيز بجميع الثمن ، لم يطالب الضامن بشيء . وإن قلنا : بالقسط ، طالبه بقسط المستحق من الثمن . وإن فسخ ، طالبه بالقسط ، ومطالبته بحصة الباقي من الثمن ، كمطالبته عند الفسخ بالعيب . وإن قلنا : لا يصح ففي مطالبته بالثمن طريقان . أحدهما : أنه كما لو بان فساد العقد بشرط ونحوه ، والثاني : القطع بتوجه المطالبة لاستناد الفساد إلى الاستحقاق ، هذا كله إذا كانت صيغة الضمان كما ذكرنا في المسألة الأولى . أما إذا عين جهة الاستحقاق ، فقال : ضمنت لك الثمن متى خرج المبيع مستحقا ، فلا [ ص: 249 ] يطالب بجهة أخرى . وكذا لو عين جهة غير الاستحقاق ، لم يطالب عند الاستحقاق .

الخامسة : اشترى أرضا وبنى فيها ، أو غرس ثم خرجت مستحقة ، فقلع المستحق البناء والغراس ، فهل يجب أرش النقص على البائع وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا ؟ وجهان . الأصح المنصوص ، وجوبه . فعلى هذا ، لو ضمنه ضامن ، نظر إن كان قبل ظهور الاستحقاق ، أو بعده وقبل القلع ، لم يصح . وإن كان بعدهما ، إن كان قدره معلوما . ولو ضمن رجل عهدة الأرض وأرش نقص البناء والغراس في عقد واحد ، لم يصح في الأرش ، وفي العهدة قولا الصفقة . ولو كان المبيع بشرط أن يعطيه كفيلا بهما ، فهو كما لو شرط في البيع رهنا فاسدا . وقال جماعة من الأصحاب : ضمان نقص البناء والغراس ، كما لا يصح من غير البائع ، لا يصح من البائع ، وهذا إن أريد به أنه لغو . كما لو ضمن العهدة لوجوب الأرش عليه من غير التزام ، فهو جار على ظاهر المذهب . وإلا ، فهو ذهاب منهم إلى أنه لا أرش عليه .

الصفة الثانية : اللزوم . والديون الثابتة ، ضربان .

أحدهما : ما لا يصير إلى اللزوم بحال ، وهو نجوم الكتابة ، فلا يصح ضمانها على الصحيح . ولو ضمن رجل عن المكاتب غير النجوم ، فإن ضمن لأجنبي ، صح . وإذا غرم ، رجع على المكاتب إن ضمنه بإذنه . وإن ضمنه لسيده ، نبني على أن ذلك الدين ، هل يسقط بعجزه ؟ وفيه وجهان . إن قلنا : نعم وهو الأصح ، لم يصح كضمان النجوم

الضرب الثاني : ماله مصير إلى اللزوم . فإن كان لازما في حال الضمان ، صح ضمانه سواء كان مستقرا أم لا كالمهر قبل الدخول ، والثمن قبل قبض المبيع ، [ ص: 250 ] ولا نظر إلى احتمال سقوطه ، كما لا نظر إلى احتمال سقوط المستقر بالإبراء ، والرد بالعيب وشبههما . وإن لم يكن لازما حال الضمان ، فهو نوعان .

أحدهما : الأصل في وضعه اللزوم ، كالثمن في مدة الخيار ، وفي ضمانه وجهان . أصحهما : الصحة . قال في " التتمة " هذا الخلاف ، إذا كان الخيار للمشتري أو لهما . أما إذا كان للبائع ، فقط ، فيصح قطعا لأن الدين لازم في حق من عليه . وأشار الإمام إلى أن تصحيح الضمان ، مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع . أما إذا منعه ، فهو ضمان ما لم يجب .

النوع الثاني : ما الأصل في وضعه الجواز ، كالجعل في الجعالة ، وفيه وجهان كما سبق في الرهن به ، وموضع الوجهين بعد الشروع في العمل وقبل تمامه ، كما سبق هناك . وضمان مال المسابقة ، إن جعلناها إجارة صح ، وإلا فكالجعل .

الصفة الثالثة : العلم ، وفيه صور .

إحداها : ضمان المجهول ، فيه طريقان ، كضمان ما لم يجب . فإن صححناه ، فشرطه أن يمكن الإحاطة به ، بأن يقول : أنا ضامن ثمن ما بعته فلانا ، وهو جاهل به ؛ لأن معرفته متيسرة . أما إذا قال : ضمنت لك شيئا مما لك على فلان ، فباطل قطعا . والقولان في صحة ضمان المجهول يجريان في صحة الإبراء عنه . وذكروا للخلاف في الإبراء مأخذين . أحدهما : الخلاف في صحة شرط البراءة عن العيوب ، فإن العيوب مجهولة الأنواع والأقدار . والثاني : أن الإبراء هل هو إسقاط كالإعتاق ؟ أم تمليك المديون ما في ذمته ، ثم إذا ملكه سقط ؟ وفيه رأيان . إن قلنا : إسقاط ، صح الإبراء عن المجهول . وإلا فلا ، وهو الأظهر . ويتخرج على هذا الأصل مسائل . منها : لو عرف المبرئ قدر الدين ولم يعرفه المبرأ . إن قلنا : إسقاط ، صح ، وإلا فيشترط علمه كالمتهب . ومنها : لو كان له دين على هذا ، ودين على هذا ، فقال : أبرأت أحدكما . إن قلنا إسقاط ، صح ، وأخذ بالبيان . وإلا فلا ، كما لو كان [ ص: 251 ] له في يد كل واحد عبد ، فقال : ملكت أحدكما العبد الذي في يده . ومنها : لو كان لأبيه دين على رجل ، فأبرأه منه وهو لا يعلم موت الأب ، إن قلنا : إسقاط صح ، كما لو قال لعبد أبيه : أعتقك ، وهو لا يعلم موت الأب . إن قلنا : تمليك ، فهو على الخلاف فيما لو باع مال أبيه على ظن أنه حي ، فبان ميتا . ومنها : أنه لا يحتاج إلى القبول إن جعلناه إسقاطا ، وإن جعلناه تمليكا ، لم يحتج إليه على الصحيح المنصوص . فإن اعتبرنا القبول ، ارتد بالرد ، وإلا فوجهان .

قلت : أصحهما : لا يرتد . - والله أعلم - .

وهذه المسائل ، ذكرها في " التتمة " مع أخوات لها . واحتج للتمليك بأنه لو قال للمديون : ملكتك ما في ذمتك ، صح وبرئت ذمته من غير نية وقرينة ، ولولا أنه تمليك ، لافتقر إلى نية أو قرينة ، كما إذا قال لعبده : ملكتك رقبتك ، أو لزوجته : ملكتك نفسك ، فإنه يحتاج إلى النية .

فرع

لو اغتابه فقال اغتبتك ، فاجعلني في حل ففعل ، وهو لا يدري ما اغتابه به ، فوجهان . أحدهما : يبرأ لأنه إسقاط محض ، كمن قطع عضوا من عبد ثم عفا سيده عن القصاص ، وهو لا يعلم عين المقطوع ، فإنه يصح . والثاني : لا ؛ لأن المقصود رضاه ، ولا يمكن الرضى بالمجهول ، ويخالف القصاص ، فإنه مبني على التغليب والسراية بخلاف إسقاط المظالم .

[ قلت : أصحهما ] الصورة الثانية : ضمان أروش الجنايات ، صحيح إن كان دراهم أو دنانير . وفي ضمان إبل الدية ، إذا لم نجوز ضمان المجهول ، وجهان . ويقال : قولان . أصحهما : [ ص: 252 ] الصحة . وقيل : يصح قطعا كما يصح الإبراء عنها . وإذا دفع الحيوان وكان الضمان يقتضي الرجوع ، فهل يرجع بالحيوان ؟ أم بالقيمة ؟ قال الإمام : لا يبعد أن يجرى فيه الخلاف المذكور في إقراض الحيوان . ولا يجوز ضمان الدية عن العاقلة قبل تمام السنة ؛ لأنها غير ثابتة بعد .

الصورة الثالثة : إذا منعنا ضمان المجهول ، فقال : ضمنت مما لك على فلان من درهم إلى عشرة ، فوجهان . وقيل : قولان . أصحهما الصحة لانتفاء الغرر ، فعلى هذا ، يلزمه عشرة على الأصح . وقيل : ثمانية . وقيل : تسعة .

قلت : الأصح : تسعة ، وسنوضحه في الإقرار إن شاء الله تعالى . - والله أعلم - .

وإن قال ضمنت لك ما بين درهم وعشرة ، فإن عرف أن دينه لا ينقص عن عشرة ، صح وكان ضامنا لثمانية . وإلا ، ففي صحته في الثمانية القولان ، أو الوجهان . ولو قال ضمنت لك الدراهم التي لك على فلان ، وهو لا يعرف مبلغها ، فهل يصح الضمان في ثلاثة لدخولها في اللفظ على كل حال ؟ كما لو أجر كل شهر بدرهم ، فهل يصح في الشهر الأول ، وهذه المسائل بعينها جارية في الإبراء .

فرع

يصح ضمان الزكاة عمن هي عليه على الصحيح . وقيل : لا لأنها حق لله تعالى ككفالة بدن الشاهد لأداء الشهادة . فعلى الصحيح ، يعتبر الإذن عند الأداء على الأصح .

فرع

يجوز ضمان المنافع الثابتة في الذمة كالأموال .

[ ص: 253 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية