صفحة جزء
[ ص: 307 ] الصورة الثانية : في قبض الثمن ، وإقباض المبيع . فإذا وكله بالبيع مطلقا ، فهل يملك الوكيل قبض الثمن ؟ وجهان :

أحدهما : لا ؛ لأنه لم يأذن فيه ، وقد يرضاه للبيع ، ولا يرضاه لقبض الثمن . وأصحهما : نعم ؛ لأنه من توابع البيع ومقتضياته . وهل يملك تسليم المبيع إذا كان معه ؟ أشار كثيرون إلى الجزم بجوازه . وقال الشيخ أبو علي : هو على الوجهين في قبض الثمن . ولو صرح بهما ، لم يملك التسليم ما لم يقبض الثمن ، وعلى هذا جرى صاحب " التهذيب " وغيره .

قلت : الأصح جواز تسليمه ، ولكن بعد قبض الثمن . فهذا هو الراجح في الدليل ، وفي النقل أيضا ، وقد صححه الرافعي في " المحرر " . والله أعلم .

والوكيل في الصرف ، يملك القبض والإقباض بلا خلاف ؛ لأنه شرط في صحة العقد ، وكذلك في السلم يدفع وكيل المسلم رأس المال ، ويقبضه وكيل المسلم إليه قطعا .

فرع

إذا باع الوكيل بمؤجل حيث يجوز ، سلم المبيع على المذهب ، إذ لا حبس بالمؤجل ، ويجيء وجه مما ذكره أبو علي : أنه لا يسلم ، إذ لم يفوض إليه . ثم إذا حل الأجل ، لا يملك الوكيل قبض الثمن إلا بإذن مستأنف . وإذا باع بحال ، وجوزنا قبض الثمن ، لم يسلم المبيع حتى يقبضه كما لو أذن فيهما صريحا ، وله مطالبة المشتري بتسليم الثمن . وإذا لم نجوز له القبض ، فلا تجوز له المطالبة ، وللموكل المطالبة بالثمن على كل حال . ولو منعه من قبض الثمن ، لم يجز قبضه قطعا . ولو منعه [ ص: 308 ] من تسليم المبيع ، فكذلك عند الشيخ أبي علي . وقال آخرون : هذا الشرط فاسد ، فإن التسليم مستحق بالعقد . وفي فساد الوكالة به وجهان :

أحدهما : تفسد ، ويسقط الجعل المسمى ، فيرجع بأجرة المثل . والصواب أن يقال : المسألة مبنية على أن في صورة الإطلاق ، هل للوكيل التسليم ، أم لا ؟ إن قلنا : لا ، فعند المنع أولى ، وإن قلنا : نعم ، فذلك من توابع العقد وتتماته ، لا لأن تسليمه مستحق بالعقد ، فإن المستحق هو التسليم ، لا تسليمه بعينه ، والممنوع منه تسليمه . فلو قال : امنع المبيع منه ، فهذا شرط فاسد ؛ لأن منع الحق عمن يستحق ، وإثبات يده عليه حرام . وفرق بين قوله : لا تسلمه إليه ، وقوله : أمسكه أو امنعه .

فرع

الوكيل بالشراء ، إن لم يسلم الموكل إليه الثمن ، واشترى في الذمة ، فسيأتي الكلام - في أن المطالبة بالثمن ، على من تتوجه ؟ - في الحكم [ من الباب ] الثاني إن شاء الله تعالى . وإن سلمه إليه واشترى بعينه ، أو في الذمة ، فهل يملك تسليم الثمن وقبض المبيع بمجرد الإذن في الشراء ؟ قال في " التتمة " و " التهذيب " : فيه الخلاف السابق في وكيل البائع ، وجزم الغزالي بالجواز ، فإن العرف يقتضيه .

قلت : الصحيح : القطع بالجواز ، وهو الذي جزم به صاحب " الحاوي " والأكثرون . وقال صاحب " الشامل " : يسلم الثمن قطعا ، ويقبض المبيع على الأصح ، ففرق بينهما . والله أعلم .

فرع

إذا سلم المشتري الثمن إلى الموكل أو الوكيل حيث يجوز قبضه ، لزم الوكيل [ ص: 309 ] تسليم المبيع وإن لم يأذن الموكل فيه ؛ لأن الثمن إذا قبض صار دفع المبيع مستحقا ، وللمشتري الانفراد بأخذه . فإن أخذه المشتري ، فذاك ، وإن سلمه الوكيل ، فالأمر محمول على أخذ المشتري ، فلا حكم للتسليم .

فرع

ذكرنا أن الوكيل لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن . فلو فعل ، غرم للموكل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواء ، أو كان الثمن أكثر . فإن كانت القيمة أكثر ، بأن باعه بغبن محتمل ، فهل يغرم جميع القيمة ، أم يحط قدر الغبن ؟ وجهان .

أصحهما : أولهما . فإن باعه بغبن فاحش بإذن الموكل ، فقياس الوجه الثاني : أن لا يغرم إلا قدر الثمن ، ثم إذا قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم ، دفعه إلى الموكل ، واسترد المغروم .

فرع

الوكيل باستيفاء الحق ، هل يثبته ، أو بإثباته هل يستوفيه عينا كان أو دينا ؟ فيه أوجه . أصحها : لا . والثاني : نعم . والثالث : يثبت ولا يستوفي . فلو كان الحق قصاصا أو حدا ، لم يستوفه على المذهب . وقال ابن خيران : على الوجهين .

التالي السابق


الخدمات العلمية