فصل 
ومن المحجور عليهم ، المريض مرض الموت ، وفيه مسائل . 
إحداها : يصح 
إقراره بالنكاح بموجبات العقوبات ، وبالدين والعين للأجنبي ، وفي 
إقراره للوارث بالمال ، طريقان : 
أحدهما : يقبل قطعا . وأصحهما عند الجمهور : على قولين . أظهرهما : القبول . واختار  
الروياني  مذهب  
مالك  رضي الله عنه ، وهو أنه إن كان متهما ، لم يقبل إقراره ، وإلا فيقبل ، ويجتهد الحاكم في ذلك . فإن قلنا : لا يقبل ، فهل الاعتبار في كونه وارثا بحال الموت ، أم بحال الإقرار ؟ فيه وجهان . 
وقيل : قولان . أظهرهما وأشهرهما وهو الجديد : بحال الموت ، كالوصية . ولو أقر في مرضه أنه كان وهب وارثه ، وأقبضه في الصحة ، أشار الإمام إلى طريقين : 
أحدهما : القطع بالمنع ؛ لأنه عاجز عن إنشائه . 
والثاني : أنه على القولين في الإقرار للوارث ، ورجح  
 nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي     : المنع ، واختار القاضي  
حسين     : القبول .  
[ ص: 354 ] قلت : القبول أرجح . والله أعلم . 
ولو أقر لوارثه وأجنبي معا ، وقلنا : لا يقبل للوارث ، قبل في نصفه للأجنبي على الأظهر . 
الثانية : لو 
أقر في صحته بدين لرجل ، وفي مرضه بدين لآخر ، فهما سواء ، كما لو ثبتا بالبينة ، وكما لو أقر بهما في الصحة أو المرض . 
قلت : وحكى في " البيان " قولا شاذا : أن دين الصحة يقدم . والله أعلم . 
ولو 
أقر في صحته أو مرضه بدين ، ثم مات فأقر ورثته عليه بدين لآخر ، فوجهان . 
أصحهما : يتساويان فيتضاربان في التركة ؛ لأن الوارث يقوم مقامه ، فصار كمن أقر بدينين . 
والثاني : يقدم ما أقر به المورث ؛ لأنه بالموت تعلق بالتركة ويجري الوجهان فيما لو ثبت الأول ببينة ثم أقر وارثه ، وفيما لو 
أقر الوارث بدين على الميت ، ثم أقر لآخر بدين آخر ، وسواء كان الدين الأول مستغرقا للتركة ، أم لا . ولو ثبت عليه دين في حياته أو موته ، ثم تردت بهيمة في بئر كان حفرها بمحل عدوان ، ففي مزاحمة صاحب البهيمة رب الدين القديم الخلاف السابق فيما إذا جنى المفلس بعد الحجر عليه ، قاله في " التتمة " . 
الثالثة : 
مات وخلف ألف درهم ، فادعى رجل أنه أوصى له بثلث ماله ، فصدقه الوارث ، ثم جاء آخر فادعى عليه ألف درهم دينا ، فصدقه الوارث ، قيل : يصرف الثلث إلى الوصية ، لتقدمها . وقيل : يقدم الدين على الوصية كما هو المعروف فيهما . ولو صدق مدعي دين أولا ، قدم قطعا . ولو صدق المدعيين معا ، قال الأكثرون : يقسم الألف بينهما أرباعا ، لأنا نحتاج إلى الألف للدين ، وإلى ثلث المال للوصية ، فيخص الوصية ثلث عائل ، وهو الربع . وقال  
الصيدلاني     : تسقط الوصية ، ويقدم الدين   
[ ص: 355 ] كما لو ثبتا بالبينة ، وهذا هو الصواب ، سواء قدمنا عند ترتب الإقرارين الأول منهما ، أو سوينا . 
الرابعة : 
أقر المريض بعين مال لإنسان ، ثم أقر لآخر بدين مستغرق أو غير مستغرق ، سلمت العين للأول ، ولا شيء للثاني ؛ لأن المقر مات ولا يعرف له مال . ولو أقر بالدين أولا ، ثم أقر بالعين ، فوجهان . 
أصحهما : أنه كما لو أقر بالعين أولا ؛ لأن الإقرار في الدين ، لا يتضمن حجرا في العين ، ألا ترى أنه ينفذ تصرفه فيها . 
والثاني : يتزاحمان ، لتعارض القوة فيهما . 
قلت : لو 
أقر المريض أنه أعتق عبدا في صحته ، وعليه دين يستغرق تركته ، نفذ عتقه ؛ لأن الإقرار ليس تبرعا ، بل إخبار عن حق سابق . ولو ملك أخاه ، فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته ، وهو أقرب عصبته ، نفذ عتقه . وهل يرث ؟ يبنى على الإقرار للوارث . إن صححناه ورث ، وإلا فلا ؛ لأن توريثه يقتضي إبطال حريته ، فيذهب الإرث . والله أعلم .