صفحة جزء
[ ص: 362 ] فصل

يشترط في الحكم بثبوت ملك المقر له أن يكون المقر به تحت يد المقر وتصرفه . فإن لم يكن ، لم يحكم به في الحال ، بل يكون ذلك دعوى أو شهادة ، ولا تلغية من كل وجه بل لو حصل المقر به يوما في يد المقر ، لزمه تسليمه إليه . ولو قال : العبد الذي في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا ، ثم حصل العبد في يده ، يؤمر ببيعه في دين عمرو . ولو أقر بحرية عبد في يد رجل ، أو شهد بحريته ، فلم تقبل شهادته ، ثم اشتراه صح ، تنزيلا للعقد على قول من صدقه الشرع ، وهو البائع ، ويحكم بحريته ، وترفع يده عنه ثم لإقراره صيغتان .

إحداهما : أن يقول : إنك أعتقته وتسترقه ظلما ، قال الأصحاب : فيكون هذا العقد من جانب البائع بيعا قطعا ، وفي جانب المشتري وجهان : أحدهما : شراء . وأصحهما : افتداء ؛ لاعترافه بحريته . وحكى الإمام والغزالي فيه ثلاثة أوجه ، أصحها : بيع من البائع ، وافتداء من المقر .

والثاني : بيع منهما .

والثالث : فداء منهما . وهذا الثالث فاسد في جهة البائع . وكيف يصح أخذه المال ليفدي من يسترقه ؟ ! ولو قيل : فيه المعنيان ، وأيهما أغلب ؟ فيه الخلاف ، لكان قريبا ، والمعتمد ما ذكرنا عن الأصحاب . ويثبت للبائع في هذا العقد خيار المجلس والشرط ، بناء على ظاهر المذهب ، أنه بيع من جانبه . ولو كان البيع بثمن معين ، فخرج معيبا ورده كان له استرداد العبد بخلاف ما لو باع عبدا فأعتقه المشتري ، ثم خرج الثمن المعين معيبا ورده ، حيث لا يسترد العبد ، بل يعدل إلى القيمة لاتفاقهما على العتق هناك . وأما المقر المشتري ، فإن جعلناه شراء في حقه ، فله الخيار . وإن قلنا : فداء فلا . وعلى الوجهين : لا رد له لو خرج العبد معيبا ، لكن له أخذ الأرش على قولنا : شراء ، وليس له على الافتداء ، وذكر الإمام أنه إذا لم يثبت الخيار للمشتري ، ففي ثبوته للبائع [ ص: 363 ] وجهان ؛ لأن هذا الخيار لا يكاد يتبعض .

والمذهب على الجملة : ثبوته للبائع دون المشتري . وأما ولاؤه ، فموقوف . فإن مات وخلف مالا ، ولا وارث له بغير الولاء ، نظر ، إن صدق البائع المشتري أخذه ورد الثمن . وإن كذبه وأصر على كلامه الأول ، فظاهر النص : أن الميراث يوقف كما وقف الولاء . واعترض عليه المزني فقال : للمشتري أخذ قدر الثمن مما تركه . فإن فضل شيء ، كان الفاضل موقوفا ؛ لأن المشتري إما كاذب فالميت رقيق له وجميع أكسابه له ، وإما صادق ، فالإكساب للبائع إرثا بالولاء ، وقد ظلمه بأخذ الثمن ، وتعذر استرداده ، فإذا ظفر بماله ، كان له أخذ قدر الثمن . واختلف الأصحاب ، فذهبت طائفة إلى ظاهر النص ، وتخطئة المزني ، قالوا : لأنه لو أخذه لأنه كسب مملوكه ، فقد نفاه بإقراره ، أو بجهة الظفر بمال ظالمه ، فقد بذله تقربا إلى الله تعالى باستنقاذ حر ، فلا يرجع فيه كالصدقة ، ولأنه لا يدري بأي جهة يأخذه ، فيوقف إلى ظهور جهته . وذهب ابن سريج وأبو إسحاق والجمهور : إلى أن المذهب ما قاله المزني . وقال ابن سريج وغيره : وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه في غير هذا الموضع . وحملوا ما ذكره هنا على أن ما يأخذه بجهة الولاء يكون موقوفا وقف الولاء ، وهو ما زاد على قدر الثمن . فأما المستحق بكل حال ، فلا معنى للوقف فيه . قالوا : ويجوز الرجوع في المبذول فدية وقربة ، كمن فدى أسيرا ثم استولى المسلمون على الكفار ووجد الفادي عين ماله أخذه . وأما اختلاف الجهة فلا يمنع الأخذ بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق .

الصيغة الثانية : يقول هو حر الأصل ، أو أعتق قبل أن تشتريه ، فإذا اشتراه ، فهو افتداء من جهته بلا خلاف . وأما إذا مات وخلف مالا ، ولا وارث له بغير الولاء ، فماله لبيت المال ، وليس للمشتري أخذ شيء منه ؛ لأن المال بزعمه ليس للبائع حتى يأخذه عوضا عن الثمن . ولو مات العبد قبل أن يقبضه المشتري [ ص: 364 ] لم يكن للبائع أن يطالبه بالثمن ؛ لأنه لا حرية في زعمه ، وقد تلف المبيع قبل القبض .

فرع

لو أقر بحرية عبد ، ثم استأجره ، لم يحل له استخدامه ، وللمكري مطالبته بالأجرة . ولو أقر بحرية جارية لزيد ، ثم قبل نكاحها منه ، لم يحل له وطؤها ، ولزيد مطالبته بمهرها .

قلت : ينبغي أن يقال : إن أقر أن زيدا أعتقها ، ولم يكن لها عصبة ، صح تزويجه ؛ لأنه إما مالك ، وإما مولى حرة . والله أعلم .

فرع

قال : هذا العبد الذي في يدك غصبته من زيد ، ثم اشتراه منه ، ففي صحة العقد وجهان حكاهما الإمام . أصحهما : الصحة ، كما لو أقر بحريته ثم اشتراه .

والثاني : المنع ؛ لأن التصحيح هناك للافتداء والإنقاذ من الرق ، ولا يتجه مثله في تخليص عبد الغير .

فرع

أقر بعبد في يده لزيد ، فقال العبد : بل أنا ملك عمرو ، يسلم إلى زيد ؛ لأنه في يد من يسترقه ، لا في نفسه . فلو أعتقه زيد ، لم يكن لعمرو تسلم رقبته ، ولا التصرف فيها ، لما فيه من إبطال ولاء زيد . وهل له أخذ أكسابه ؟ وجهان .

وجه المنع : أن الإكساب فرع الرق ، ولم يثبت .

التالي السابق


الخدمات العلمية