صفحة جزء
[ ص: 399 ] السابعة : قال : لزيد علي ألف وزعم أنه وديعة ، فله حالان .

الأول : أن يذكره منفصلا ، بأن أتى بألف بعد إقراره ، وقال : أردت هذا وهو وديعة عندي ، وقال المقر له : هو وديعة ولي عليك ألف آخر دينا ، وهو الذي أردته بإقرارك ، فهل القول قول المقر له ، أو المقر ؟ فيه قولان . أظهرهما : الثاني وقيل به قطعا ؛ لأن قوله : علي ، يحتمل أن يريد به : عندي ، ويحتمل : إني تعديت فيها فصارت مضمونة علي ، أو علي حفظها . ولو قال : علي ألف في ذمتي ، أو دينا ، ثم جاء بألف وفسر كما ذكرنا ، لم يقبل على المذهب ، والقول قول المقر له بيمينه ؛ لأن العين لا تثبت في الذمة . وقيل : في قبوله وجهان .

ثم قال الإمام : إذا قبلنا التفسير بالوديعة ، قال الأصحاب : الألف مضمونة ، وليس بأمانة ؛ لأن قوله : علي ، تتضمن الالتزام . فإن ادعى تلف الألف الذي يزعم أنه وديعة ، لم يسقط عنه الضمان ، وإن ادعى رده ، لم يقبل ؛ لأنه ضامن ، وإنما يصدق الأمين . وهذا الذي قاله الإمام ، مشكل دليلا ونقلا . أما الدليل ، فلأن لفظة " علي " ، كما يجوز أن يراد بها مصيرها مضمونة لتعديه ، فيجوز أن يريد : وجوب حفظها ، ويجوز أن يريد : عندي ، كما سبق ، وهذان لا ينافيان الأمانة . وأما النقل ، فمقتضى كلام غيره ، أنه إذا ادعى تلفه بعد الإقرار ، صدق ، وقد صرح به صاحب " الشامل " في موضعين من الباب .

الحال الثاني : أن يذكره متصلا ، فيقول : لفلان علي ألف وديعة ، فيقبل على المذهب . وقال أبو إسحاق : على قولين ، كقوله : ألف قضيته . وإذا قبلنا فأتى بألف ، وقال : هو هذا ، قنع به ، فإن لم يأت بشيء ، وادعى التلف أو الرد ، قبل على الأصح . وأما إذا قال : له معي أو عندي ألف ، فهو مشعر بالأمانة ، فيصدق [ ص: 400 ] في قوله : إنه كان وديعة ، وفي دعوى التلف والرد . ولو قال : له عندي ألف درهم مضاربة دينا أو وديعة دينا ، فهو مضمون عليه ، ولا يقبل قوله في دعوى الرد والتلف ، نص عليه . ووجهوه بأن كونه دينا عبارة عن كونه مضمونا . فإن قال : أردت أنه دفعه إلي مضاربة أو وديعة بشرط الضمان ، لم يقبل قوله ؛ لأن شرط الأمانة لا يوجب الضمان ، هذا إذا فسر منفصلا . فإن فسره متصلا ، ففيه قولا تبعيض الإقرار . ولو قال : له عندي ألف عارية ، فهو مضمون عليه ، صححنا إعارة الدراهم أو أفسدناها ؛ لأن الفاسد كالصحيح في الضمان . ولو قال : دفع إلي ألفا ، ثم فسره بوديعة ، وادعى تلفها في يده ، صدق بيمينه . وكذا لو قال : أخذت منه ألفا . وقال القفال في " أخذت " : لو ادعى المأخوذ منه أنه غصبه ، صدق بيمينه في الغصب . والصحيح : أنه كقوله : دفع إلي .

الثامنة : قال : هذه الدار لك عارية ، فهو إقرار بالإعارة ، وله الرجوع . وقال صاحب " التقريب " : قوله " لك " إقرار بالملك ، فذكر العارية بعده ينافيه ، فيكون على قولي تبعيض الإقرار . والمذهب الأول . ولو قال : هذه الدار لك هبة عارية بإضافة الهبة إلى العارية ، أو هبة سكنى ، فهو كما لو قال : لك عارية ، بلا فرق .

التاسعة : الإقرار بالهبة لا يتضمن الإقرار بقبضها على المذهب ، وبه قطع الجمهور . وفي " الشامل " : فيه خلاف إذا كانت العين في يد الموهوب له ، وقال : أقبضتني . ولو قال : وهبته وخرجت إليه منه ، فقد سبق أن الأصح أنه ليس بإقرار بالقبض ، وكذا لو قال : وهبت له وملكها ، قاله البغوي . ولو أقر بالقبض ، ثم ذكر لإقراره تأويلا أو لم يذكر ، فهو كما ذكرنا في الرهن إذا قال : رهنت وأقبضت ثم عاد فأنكر .

[ ص: 401 ] العاشرة : لو أقر ببيع أو هبة وقبض ، ثم قال : كان ذلك فاسدا ، أو أقررت لظني الصحة ، لم يصدق ، لكن له تحليف المقر له ، فإن نكل ، حلف المقر وحكم ببطلان البيع والهبة . ولو أقر بإتلاف مال [ على إنسان ] وأشهد عليه ، ثم قال : كنت عازما على الإتلاف فقدمت الإشهاد على الإتلاف ، لم يلتفت إليه ، بخلاف ما لو أشهد عليه بدين ثم قال : كنت عازما على أن أستقرض منه ، فقدمت الشهادة على الاستقراض ، قبل للتحليف ؛ لأن هذا معتاد ، بخلاف ذاك .

الحادية عشرة : أقر عجمي بالعربية وقال : لم أفهم معناه ، لكن لقنت ، صدق بيمينه إن كان ممن يجوز أن لا يعرفه . وكذا الحكم في جميع العقود والحلول . ولو ادعى أنه أقر وهو صبي أو مجنون ، أو مكره ، فقد سبق بيانه مع ما يتعلق به في آخر الباب الأول .

الثانية عشرة : قال : غصبت هذه الدار من زيد ، بل من عمرو ، أو قال : غصبتها من زيد ، وغصبها زيد من عمرو ، أو قال : هذه الدار لزيد ، بل لعمرو ، سلمت الدار إلى زيد . وفي غرمه لعمرو قولان . أظهرهما عند الأكثرين : يغرم . وفي الصورة الثالثة طريقة جازمة بأن لا غرم ؛ لأنه لم يقر بجناية في ملك الغير ، بخلاف الأوليين . ثم قيل : القولان فيما إذا انتزعها الحاكم من يده وسلمها إلى زيد . فأما إذا سلمها بنفسه ، فيغرم قطعا . وقيل : القولان في الحالين .

قلت : الأصح طردهما في الحالين ، قاله أصحابنا . ويجري الخلاف ، سواء والى بين الإقرار لهما ، أم فصل بفصل قصير أو طويل . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية