صفحة جزء
الركن الرابع : الصيغة ، واللفظ المعتد به في الباب ما يدل على الإذن في الانتفاع ، كقوله : أعرتك ، أو خذه لتنتفع به ، وما أشبههما . واختلفوا في الواجب من اللفظ ، فالأصح الأشهر ما قطع به البغوي وغيره : أن المعتبر اللفظ من أحد الطرفين ، والفعل من الآخر . حتى لو قال المستعير : أعرني ، فسلمه المالك إليه ، صحت الإعارة ، كما لو قال : خذه لتنتفع به ، فأخذه ، قياسا على إباحة الطعام . وقال الغزالي : يعتبر اللفظ من جهة المعير ، ولا يعتبر من جهة المستعير ، وإنما يعتبر [ ص: 430 ] منه القبول ، إما بالفعل وإما بالقول . وقال المتولي : لا يعتبر اللفظ في واحد منهما ، حتى لو رآه عاريا فأعطاه قميصا فلبسه ، تمت العارية . وكذا لو فرش لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى ، أو ألقى له وسادة فجلس عليها ، كان ذلك إعارة ، بخلاف ما لو دخل فجلس على الفرش المبسوطة ؛ لأنه لم يقصد بها انتفاع شخص بعينه ، ولا بد في العارية من تعيين المستعير ، وهذا الذي قاله المتولي فيه تمام التشبيه بإباحة الطعام ، ويوافقه ما حكي عن الشيخ أبي عاصم ، أنه إذا انتفع بظرف الهدية المبعوثة إليه حيث جرت العادة باستعماله ، كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها ، كان عارية ؛ لأنه انتفاع بملك الغير بإذنه .

قلت : هذا المحكي عن أبي عاصم ، هو فيما إذا كانت الهدية لا تقابل . فأما إن كانت عوضا ، فالظرف أمانة في يده كالإجارة الفاسدة ، كذا حكاه المتولي عن أبي عاصم . والله أعلم .

فرع

قال : أعرتك حماري لتعيرني فرسك ، فهي إجارة فاسدة ، وعلى كل واحد أجرة مثل دابة صاحبه ، وكذا الحكم ، لو أعاره شيئا بعوض مجهول ، كما لو أعاره دابة ليعلفها ، أو داره ليطين سطحها ، وكذا لو كان العوض معلوما ، ولكن مدة الإعارة مجهولة ، كقوله : أعرتك داري بعشرة دراهم ، أو لتعيرني ثوبك شهرا . وفي وجه ضعيف : أنها عارية فاسدة ، نظرا إلى اللفظ ، فعلى هذا تكون مضمونة عليه ، وعلى الأول : لا ضمان ، ولو بين مدة الإعارة وذكر عوضا معلوما ، فقال : أعرتك هذه الدار شهرا من اليوم بعشرة دراهم ، أو لتعيرني ثوبك شهرا من اليوم ، فهل هي إجارة صحيحة ، أو إعارة فاسدة ؟ وجهان ، بناء على أن الاعتبار باللفظ ، أو المعنى ؟

[ ص: 431 ] فرع

دفع دراهم إلى رجل وقال : اجلس في هذا الحانوت واتجر فيها لنفسك ، أو دفع إليه بذرا وقال : ازرعه في هذه الأرض ، فهو معير للحانوت والأرض ، وأما الدراهم والبذر ، فهل يكون هبة ، أم قرضا ؟ وجهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية