صفحة جزء
[ ص: 435 ] فرع

استعار صندوقا ، فوجد فيه دراهم ، فهي أمانة عنده ، كما لو طيرت الريح ثوبا في داره .

الحكم الثاني : تسلط المستعير على الانتفاع بحسب إذن المعير ، وفيه مسائل .

الأولى : إذا أعاره أرضا للزراعة ، فإن بين ما يزرعه ، كقوله : أعرتك لزراعة الحنطة ، نظر ، إن لم ينهه عن غيرها ، فله أن يزرع الحنطة وما ضرره كضررها أو دونه كالشعير ، وليس له أن يزرع ما فوقها كالذرة والقطن . وإن نهاه عن غيرها ، لم يكن له زرع غيرها . وحيث زرع ما ليس له ، فللمعير قلعه مجانا . وإن أطلق ذكر الزراعة ولم يبين الزروع ، صحت الإعارة على الأصح ، ويزرع ما شاء ، لإطلاق اللفظ .

والثاني : لا يصح ، لتفاوت الضرر . ولو قيل : يصح ولا يزرع إلا أقل الأنواع ضررا ، لكان مذهبا .

الثانية : إذا أعار للزراعة ، لم يكن له البناء ولا الغراس . وإن أعار لأحدهما ، فله الزراعة ، وليس له الآخر على الأصح .

قلت : حكى صاحب المهذب وغيره وجها : أنه لا يجوز الزرع إذا استعار للبناء ؛ لأن الزرع يرخي الأرض ، بخلاف البناء .

والصحيح الجواز . والله أعلم .

الثالثة : إذا كان المستعار لا ينتفع به إلا بجهة واحدة ، كالبساط الذي لا يصلح إلا لأن يفرش ، فلا حاجة في إعارته إلى بيان الانتفاع ، وإن كان ينتفع به بجهتين فصاعدا ، كالأرض تصلح للزراعة ، والبناء ، والغراس ، وكالدابة للركوب ، والحمل ، فهل [ ص: 436 ] تصح الإعارة مطلقا ، أم يشترط بيان جهة الانتفاع ؟ وجهان .

أصحهما عند الإمام ، والغزالي : الثاني ، وقطع الروياني والبغوي بالأول .

قلت : صحح الرافعي في " المحرر " الثاني . والله أعلم .

فعلى الأول : له أن ينتفع كيف شاء . وقال الروياني : ينتفع بما هو العادة فيه ، وهذا أحسن . وعلى الثاني : لو قال : أعرتك لتنتفع به كيف شئت ، أو لتفعل به ما بدا لك ، فوجهان .

الحكم الثالث : الجواز . فللمعير الرجوع متى شاء ، وللمستعير الرد متى شاء ، سواء العارية المطلقة والمؤقتة ، إلا في صورتين .

الأولى : إذا أعار أرضا لدفن ميت ، فدفن ، لم يكن له الرجوع ونبش القبر إلى أن يندرس أثر المدفون ، وله سقي الأشجار التي فيها إن لم يفض إلى ظهور شيء من بدن الميت ، وله الرجوع ما لم يوضع فيه الميت ، قال المتولي : وكذا بعد الوضع ما لم يواره التراب . قال : ومؤنة الحفر إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن ، على ولي الميت ، ولا يلزمه طمها .

قلت : كذا هو في نسخ كتاب الإمام الرافعي رحمه الله ، وهو غلط في النقل عن المتولي ، فإن المتولي قال : إذا رجع في العارية بعد الحفر وقبل الدفن ، غرم لولي الميت مؤنة الحفر ؛ لأنه بإذنه في الحفر أوقعه في التزام ما التزم ، وفوت عليه مقصوده لمصلحة نفسه ، فهذا لفظ المتولي بحروفه ، وهو الصواب . والله أعلم .

وإطلاق الإعارة ، لا يسلط على الدفن قطعا وإن كان يسلط على ما شاء من المنافع على الوجهين كما سبق ، والفرق ظاهر .

[ ص: 437 ] قلت : في " البيان " وغيره : أنه لو أعار أرضا ليحفر فيها بئرا ، صحت العارية . فإذا نبع الماء ، جاز للمستعير أخذه ؛ لأن الماء يستباح بالإباحة . والله أعلم .

الصورة الثانية : إذا أعاره جدارا لوضع الجذوع ، ففي جواز الرجوع وجهان .

فإن جوزناه ، فهل فائدته طلب الأجرة للمستقبل ، أم التخيير بينه وبين القلع وضمان أرش النقص ؟ وجهان .

وقد سبق بيان هذا كله واضحا مع بيان الأصح في كتاب الصلح .

قلت : ومن أحكامها ، أنه لو مات المعير ، أو جن ، أو أغمي عليه ، أو حجر عليه لسفه ، انفسخت الإعارة كسائر العقود الجائزة . وإن مات المستعير ، انفسخت أيضا ؛ لأن الإذن بالانتفاع إنما كان للمستعير دون وارثه ، وإذا انفسخت ، وجب على المستعير ردها ، ذكر هذه الجملة المتولي . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية