صفحة جزء
فصل

غصب متقوما فتلف عنده ، لزمه أقصى قيمته من يوم غصبه إلى تلفه ، وتجب قيمته من نقد البلد الذي تلف فيه ، فلو كانت مائة فصارت مائتين ، ثم عادت بالرخص إلى خمسين ، ثم تلف ، لزمه مائتان . ولو تكرر ارتفاع السعر وانخفاضه لم يضمن كل زيادة ، وإنما يضمن الأكثر ، ولا أثر لارتفاع السعر بعد التلف [ ص: 26 ] قطعا . ولو أتلف متقوما بلا غصب ، لزمه قيمته يوم الإتلاف . فإن حصل التلف بتدرج وسراية ، واختلفت قيمته في تلك المدة بأن جنى على بهيمة قيمتها مائة يومئذ ، ثم هلكت وقيمة مثلها خمسون ، فقال القفال : يلزمه المائة ، لأنا إذا اعتبرنا الأقصى في اليد العادية ، ففي نفس الإتلاف أولى .

فرع

لو لم يهلك المغصوب لكن أبق ، أو غيبه الغاصب ، أو ضلت الدابة ، أو ضاع الثوب ، فللمالك أن يضمنه القيمة في الحال للحيلولة . والاعتبار بأقصى القيم من الغصب إلى المطالبة ، وليس للغاصب أن يلزمه قبول القيمة ، لأن قيمة الحيلولة ليست حقا ثابتا في الذمة حتى يجبر على قبوله ، أو الإبراء منه ، بل لو أبرأه المالك عنها لم ينفذ . وفي وجه : هي كالحقوق المستقرة ، وهو شاذ . ثم القيمة المأخوذة ، يملكها المالك كما يملك عند التلف وينفذ تصرفه فيها ، ولا يملك الغاصب المغصوب ، فإذا ظفر بالمغصوب ، فللمالك استرداده ورد القيمة ، وللغاصب رده واسترداد القيمة . وهل له حبس المغصوب إلى أن يستردها ؟ حكى القاضي حسين عن نص الشافعي رضي الله عنه : أن له ذلك ، كما حكى ثبوت الحبس للمشتري في الشراء الفاسد لاسترداد الثمن ، لكن سبق في البيع ذكر الخلاف في ثبوت الحبس للمشتري ، وذكرنا أن الأصح : المنع ، ويشبه أن يكون حبس الغاصب في معناه ، والمنع هو اختيار الإمام في الموضعين . وإذا كانت الدراهم المبذولة بعينها باقية في يد المالك ، فللشيخ أبي محمد تردد في أنه هل يجوز للمالك إمساكها وغرامة مثلها أم لا . قلت : الأقوى : أنه لا يجوز . والله أعلم .

ولو اتفقا على ترك التراد ، فلا بد من بيع ليصير المغصوب للغاصب ، ثم التضمين [ ص: 27 ] للحيلولة لا يختص بالمتقومات ، بل يثبت في كل مغصوب خرج من اليد وتعذر رده .

قلت : قد حكى صاحب البيان عن القفال : أن المالك لا يملك القيمة المأخوذة للحيلولة ، بل ينتفع به على ملك الغاصب ، لئلا يجتمع في ملكه البدل والمبدل ، وهذا شاذ ضعيف نبهت عليه لئلا يغتر به ، قال في البيان : ولو ظهر على المالك دين مستغرق ، فالغاصب أحق بالقيمة التي دفعها ، لأنها عين ماله . وإن تلفت في يد المالك ، رجع الغاصب بمثلها . وإن كانت باقية زائدة ، رجع في زيادتها المتصلة دون المنفصلة . قال القاضي أبو الطيب والجرجاني : هذا إذا تصور كون القيمة مما يزيد . والله أعلم .

فرع

سبق أن منافع المغصوب مضمونة . فلو كانت الأجرة في مدة الغصب متفاوتة ، فثلاثة أوجه حكاها القاضي أبو سعد بن أبي يوسف . أصحها : يضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها فيه . والثاني : كذلك إن كانت الأجرة في أول المدة أقل ، فإن كانت في الأولى أكثر ، ضمنها بالأكثر في جميع المدة ، لأنه لو كانت العين في يده ، فربما يكريها بها في جميع المدة . والثالث : بالأكثر في جميع المدة مطلقا ، وهو ضعيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية