صفحة جزء
الطرف الثاني في الزيادة : وهي آثار محضة وأعيان .

أما الأثر ، فالقول الجملي فيه : أن الغاصب لا يستحق بتلك الزيادة شيئا ، لتعديه ، ثم ينظر ، إن لم يمكن رده إلى الحالة الأولى رده بحاله وأرش النقص إن نقصت قيمته ، وإلا [ ص: 46 ] فإن رضي به المالك ، لم يكن للغاصب رده إلى ما كان وعليه أرش النقص ، إلا أن يكون له غرض في الرد إلى الحالة الأولى فله الرد ، وإن ألزمه المالك الرد إلى الحالة الأولى لزمه ذلك وأرش النقص إن نقص عما كان قبل تلك الزيادة . فإذا تقرر ذلك ، فمن صوره طحن الحنطة ، وقصارة الثوب وخياطته ، وضرب الطين لبنا ، وذبح الشاة وشيها . ولا يملك الغاصب المغصوب بشيء من هذه التصرفات ، بل يردها مع أرش النقص إن نقصت القيمة . وإنما تكون الخياطة من هذا القسم إذا خاط بخيط المالك . فإن خاط بخيط الغاصب فستأتي نظائره إن شاء الله تعالى . ثم في الطحن والقصارة ، والذبح ، والشي ، لا يمكن الرد إلى ما كان . وكذا في شق الثوب وكسر الإناء ، ولا يجبر على رفء الثوب وإصلاح الإناء ، لأنه لا يعود إلى ما كان ، ولو غزل القطن ، رد الغزل وأرش النقص إن نقص . ولو نسج الغزل ، فالكرباس للمالك مع الأرش إن نقص ، وليس للمالك إجباره على نقضه إن لم يمكن رده إلى الحالة الأولى ونسجه ثانيا ، فإن أمكن كالخز ، فله إجباره . فإن نقضه ونقصت قيمته عن قيمة الغزل في الأصل غرمه ، ولا يغرم ما زاد بالنسج ، لأن المالك أمره بنقضه . فإذا نقضه بغير إذن المالك ضمنه أيضا . ولو غصب نقرة وضربها دراهم ، أو صاغها حليا ، أو غصب نحاسا أو زجاجا فجعله إناء ، فإن رضي المالك به رده كذلك ، ولم يكن له رده إلى الحالة الأولى ، إلا أن يضرب الدراهم بغير إذن السلطان ، أو على غير عياره ، لأنه حينئذ يخاف التغيير ، وحيث منع من الرد إلى ما كان فخالف ، فهو كإتلاف الزوائد الحاصلة عند الغصب . ولو أجبره المالك على رده إلى ما كان لزمه . فإذا امتثل لم يغرم النقصان الحاصل بزوال الصنعة ، لكن لو نقص عما كان بما طرأ وزال ضمنه .

وأما الأعيان ، فمن صورها صبغ الثوب . وتقدم عليه صورتين .

إحداهما : إذا غصب أرضا وبنى فيها ، أو غرس ، أو زرع ، كان لصاحب [ ص: 47 ] الأرض أن يكلفه القلع مجانا . ولو أراد الغاصب القلع لم يكن للمالك منعه ، فإنه عين ماله . وإذا قلع ، لزمه الأجرة . وفي وجوب التسوية والأرش ، ما سبق في نقل التراب . وإن نقصت الأرض لطول مدة الغراس ، فهل يجمع بين أجرة المثل وأرش النقص ، أو لا يجب إلا أكثرهما ؟ فيه الخلاف السابق فيما إذا أبلى الثوب بالاستعمال . ولو أراد المالك أن يتملك البناء والغراس بالقيمة ، أو يبقيهما أو الزرع بالأجرة ، فهل على الغاصب إجابته ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، كالمستعير ، وأولى ، لتعديه . وأصحهما : لا ، لتمكنه من القلع بلا غرامة . ولو غصب من رجل أرضا وبذرا فزرعها به ، فللمالك أن يكلفه إخراج البذر من الأرض ويغرمه أرش النقص ، وليس للغاصب إخراجه إذا رضي به المالك .

الصورة الثانية : إذا زوق الأرض المغصوبة ، نظر إن كان بحيث لو نزع لحصل منه شيء ، فللمالك إجباره على النزع . فإن تركه الغاصب ليدفع عنه كلفة النزع ، فهل يجبر المالك على قبوله ؟ وجهان . ولو أراد الغاصب نزعه ، فله ذلك ، وسواء كان للمنزوع قيمة أم لا ، فإن نزع فنقصت عما كانت قبل التزويق ، لزمه الأرش . أما إذا كان التزويق تمويها لا يحصل منه عين بالنزع ، فليس للغاصب النزع إن رضي المالك . وهل للمالك إجباره عليه ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، لأنه قد يريد تغريمه أرش النقص الحاصل بإزالته . وأصحهما : لا ، كالثوب إذا قصره . إذا ثبت هذا ، عدنا إلى الصبغ فنقول : للصبغ الذي يصبغ به المغصوب ثلاثة أحوال . الأول : أن يكون للغاصب ، فينظر ، إن كان الحاصل تمويها محضا فحكمه ما ذكرناه في التزويق . وإن حصل فيه عين مال بالانصباغ فهو ضربان .

الأول : إذا لم يمكن فصله ، فقولان . القديم : أنه يفوز به صاحب الثوب [ ص: 48 ] تشبيها له بالسمن . والمشهور : أنهما شريكان ، فينظر ، إن كانت قيمة الثوب مصبوغا مثل قيمته وقيمة الصبغ قبل الصبغ جميعا ، بأن كانت قيمة الثوب عشرة ، وقيمة الصبغ عشرة ، وصار يساوي مصبوغا عشرين ، فهو بينهما بالسوية . فلو رغب فيه راغب بثلاثين ، كانت بينهما نصفين . وإن نقصت قيمته مصبوغا عنهما ، بأن صارت قيمته في الصورة المذكورة خمسة عشر ، فقد أطلق الأكثرون : أن النقص محسوب من الصبغ ، لأن الثوب هو الأصل ، والصبغ وإن كان عينا ، فهو تابع ، فيكون الثوب المصبوغ بينهما أثلاثا ، الثلثان للمغصوب منه . وفي الشامل والتتمة : أنه إن كان النقص لانخفاض سعر الثياب ، فالنقص محسوب من الثوب . وإن كان لانخفاض سعر الأصباغ ، فمن الصبغ وكذا لو كان النقص بسبب العمل . ويمكن أن يكون هذا التفصيل مراد من أطلق . وإن كانت قيمته بعد الصبغ عشرة ، انمحق الصبغ ، ولا حق فيه للغاصب . وإن نقصت قيمته مصبوغا عن قيمة الثوب ، فصار يساوي ثمانية ، فقد ضاع الصبغ ونقص من الثوب درهمان ، فيرده مع درهمين . وإن زادت قيمته مصبوغا عليهما ، بأن صار ثلاثين ، فمن أطلق الجواب في طرف النقص ، أطلق هنا أن الزيادة بينهما على نسبة ماليهما . ومن فصل قال : إن كان ذلك لارتفاع سعر الثياب ، فالزيادة لصاحب الثوب ، وإن كان لارتفاع سعر الأصباغ ، فهي للغاصب ، وإن كان للعمل والصنعة فهي بينهما ، لأن الزيادة بفعل الغاصب تحسب للمغصوب منه .

الضرب الثاني : إذا أمكن فصله عن الثوب ، فقد حكي قول عن القديم : أنه إن كان المفصول لا قيمة له ، فهو كالسمن ، والمشهور أنه ليس كالسمن ، فلا يفوز به المغصوب منه . وهل يملك إجبار الغاصب على فصله ؟ وجهان . أصحهما عند العراقيين : لا . وأصحهما : عند البغوي وطائفة : نعم ، واختاره الإمام ونقل القطع [ ص: 49 ] به عن المراوزة . وإنما الخلاف ، فيما إذا كان الغاصب يخسر بالفصل خسرانا بينا ، وذلك قد يكون لضياع المنفصل بالكلية ، وقد يكون لحقارته بالإضافة إلى قيمة الصبغ . ومن جملة الضياع ، أن يحدث في الثوب نقص بسبب الفصل لا تفي بأرشه قيمة المفصول . ولو رضي المغصوب [ منه ] بإبقاء الصبغ وأراد الغاصب فصله ، فله ذلك إن لم ينقص الثوب ، وكذا إن نقص على الأصح . وإن تراضيا على ترك الصبغ بحاله ، فهما شريكان . وكيفية الشركة ، كما سبق في الضرب الأول .

فرع لو ترك الغاصب الصبغ للمالك ، فهل يجبر كالنعل في الدابة المردودة بالعيب لأنه تابع أم لا ، كالبناء والغراس إذا تركه الغاصب ؟ وجهان . قال الروياني : أصحهما : الأول . قال الرافعي : بل الثاني أقيس وأشبه .

قلت : الثاني أصح . وممن صححه صاحب التنبيه قال الجرجاني : ويجري الوجهان فيما لو غصب بابا وسمره بمسامير للغاصب وتركها للمالك . والله أعلم .

ثم قيل : الوجهان فيما إذا أمكن فصل الصبغ ، وفيما إذا لم يمكن . والأصح : تخصيصهما بما إذا أمكن وقلنا : إن الغاصب يجبر على الفصل ، وإلا فهما شريكان لا يجبر واحد منهما على قبول هبة الآخر . وعلى هذا فطريقان . أحدهما : أن الوجهين فيما إذا كان يتضرر بالفصل ، إما لما يناله من التعب ، وإما لأن المفصول يضيع كله أو أكثره ، فإن لم يكن كذلك ، لم يجب القبول بحال . والثاني أن الوجهين فيما إذا [ ص: 50 ] كان الثوب ينقص بالفصل نقصا لا تفي بأرشه قيمة الصبغ المفصول ، فإن وفت لم يجب القبول بحال وإن تعب أو ضاع معظم المفصول . قال الإمام : وإذا قلنا : يجب القبول على المغصوب منه ، لم يشترط تلفظه بالقبول . وأما الغاصب ، فلا بد من لفظ من جهته يشعر بقطع الحق ، كقوله : أعرضت عنه ، أو تركته ، أو أبرأته عن حقي ، أو أسقطته ، قال : ويجوز أن يعتبر اللفظ المشعر بالتمليك .

فرع

لو بذل المغصوب منه قيمة الصبغ ، وأراد أن يتملكه على الغاصب ، فهل يجاب إليه ؟ فيه أوجه - سواء كان الصبغ يمكن فصله أم لا - أحدهما : نعم كالغراس في العارية . وأصحهما : لا ، لأن المعير لا يتمكن من القلع مجانا فكان محتاجا إلى التملك بالقيمة ، وهنا بخلافه . والثالث : إن كان الصبغ بحيث لو فصل لم يحصل منه شيء ينتفع به فنعم ، وإلا فلا .

فرع

متى اشتركا في الثوب المصبوغ ، فهل لأحدهما الانفراد ببيع ملكه [ منه ] ؟ وجهان ، كبيع دار لا ممر لها . والأصح : المنع . ولو أراد مالك الثوب البيع ، ففي المهذب والتهذيب : أنه يجبر الغاصب على موافقته ويباع ، وإن أراد الغاصب البيع لم يجبر صاحب الثوب على الأصح ، لئلا يستحق بتعديه إزالة ملك غيره . وفي النهاية : القطع بأن واحدا منهما لا يجبر كسائر الشركاء .

الحال الثاني : أن يكون الصبغ مغصوبا من غير مالك الثوب ، فإن لم يحدث بفعله نقص ، فلا غرم عليه ، وهما شريكان في الثوب المصبوغ كما سبق في المالك [ ص: 51 ] والغاصب . وإن حدث ، نظر ، إن كانت قيمته مصبوغا عشرة ، والتصوير كما سبق ، فهو لصاحب الثوب ، ويغرم الغاصب الصبغ للآخر . وإن كانت خمسة عشر ، فوجهان . أحدهما : [ يكون ] الثوب بينهما نصفين ، ويرجعان على الغاصب بخمسة . وأصحهما : أثلاثا على ما سبق في الحال الأول . فإن كان مما يمكن فصله ، فلهما تكليف الغاصب الفصل . فإن حصل بالفصل نقص فيهما أو في أحدهما عما كان قبل أن يصبغ غرمه الغاصب ، ولصاحب الثوب وحده طلب الفصل أيضا إذا قلنا : المالك يجبر الغاصب عليه في الحال الأول . هذا إذا حصل بالانصباغ عين مال في الثوب . فإن لم يحصل إلا تمويه ، فالحكم كما سبق في التزويق .

فرع

يقاس بما ذكرناه في الحالتين ثبوت الشركة فيما إذا طير الريح ثوب إنسان في إجانة صباغ فانصبغ ، لكن ليس لأحدهما أن يكلف الآخر الفصل ولا التغريم إن حصل نقص في أحدهما ، إذ لا تعدي . ولو أراد صاحب الثوب تملك الصبغ بالقيمة ، فعلى ما سبق .

الحال الثالث : أن يكون الصبغ مغصوبا من مالك الثوب أيضا . فإن لم يحدث بفعله نقص ، فهو للمالك ، ولا غرم على الغاصب ، ولا شيء له إن زادت القيمة ، لأن الموجود منه أثر محض . وإن حدث بفعله نقص ضمن الأرش ، وإذا أمكن الفصل ، فللمالك إجباره عليه . وليس للغاصب الفصل إذا رضي المالك .

فرع

إذا كان الصبغ للغاصب وقيمته عشرة ، وقيمة الثوب عشرة ، فبلغت قيمة الثوب مصبوغا [ ص: 52 ] ثلاثين ، ففصل الغاصب الصبغ ، ونقصت قيمة الثوب عن عشرة لزمه ما نقص ، وكذا ما نقص عن خمسة عشر إن فصل بغير إذن المالك وطلبه ، وإن فصل بإذنه ، لم يلزمه إلا نقص العشرة . ولو عادت قيمته مصبوغا إلى عشرة لانخفاض السعر وكان النقص في الثياب والأصباغ على نسبة واحدة ، فالثوب بينهما بالسوية كما كان ، والنقص داخل عليهما جميعا ، وليس على الغاصب غرامة ما نقص مع رد العين ، لكن لو فصل الصبغ بعد رجوع القيمة إلى عشرة ، فصار الثوب يساوي أربعة ، غرم ما نقص ، وهو خمس الثوب بأقصى القيم . والمعتبر في الأقصى خمسة عشر إن فصل بنفسه ، وعشرة إن فصل بطلب المالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية