كتاب القراض 
القراض والمقارضة والمضاربة بمعنى ، وهو أن يدفع مالا إلى شخص ليتجر فيه ، والربح بينهما . 
ودليل صحته إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، وفيه ثلاثة أبواب . 
الأول : في أركان صحته ، وهي خمسة . 
[ الركن ] الأول : 
رأس المال ، وله أربعة شروط . 
الأول : 
أن يكون نقدا ، وهو الدراهم والدنانير المضروبة ، ودليله الإجماع . ولا يجوز على الدراهم المغشوشة على الصحيح ، ولا على الفلوس على المذهب . 
قلت : قد ذكر  
الفوراني  في جواز 
القراض على ذوات المثل وجهين ، وهذا شاذ منكر ، والصواب المقطوع به : المنع . والله أعلم . 
الشرط الثاني : أن 
يكون معلوما   . فلو 
دفع إليه ثوبا وقال : بعه وقد قارضتك على ثمنه ، لم يجز . 
الشرط الثالث : أن 
يكون معينا   . فلو 
قارض على دراهم غير معينة ، ثم أحضر في المجلس وعينها ، قطع القاضي والإمام بجوازه ، كالصرف والسلم ، وقطع  
البغوي  بالمنع . ولو 
كان له دين على رجل ، فقال لغيره : قارضتك على ديني على فلان ، فاقبضه واتجر فيه ، أو قارضتك عليه لتقبض وتتصرف ، أو اقبضه فإذا قبضته فقد قارضتك عليه ، لم يصح ، وإذا قبض العامل وتصرف فيه ، لم يستحق الربح المشروط ، بل الجميع لرب المال ، وللعامل أجرة مثل التصرف إن كان قال : إذا قبضت فقد   
[ ص: 118 ] قارضتك . وإن قال : قارضتك عليه لتقبض وتتصرف ، استحق أجرة مثل التقاضي والقبض أيضا . ولو 
قال للمديون : قارضتك على الدين الذي لي عليك ، لم يصح القراض ، بل لو قال : اعزل قدر حقي من مالك ، فعزله ، ثم قال : قارضتك عليه ، لم يصح ، لأنه لم يملكه . فإذا تصرف المأمور فيما عزله ، نظر ، إن اشترى بعينه للقراض ، فهو كالفضولي يشتري لغيره بعين ماله . وإن اشترى في الذمة ، فوجهان . أصحهما عند  
البغوي     : أنه للمالك ، لأنه اشترى له بإذنه . وأصحهما : عند الشيخ  
أبي حامد     : للعامل ، لأن المالك لم يملك اليمين . وحيث كان المعزول للمالك ، فالربح ورأس المال له لفساد القراض ، وعليه الأجرة للعامل . ولو دفع كيسين في كل ألف ، وقال : قارضتك على أحدهما ، فوجهان . أحدهما : يصح ، لتساويهما . وأصحهما : المنع ، لعدم التعيين . 
قلت : فعلى الأول يتصرف العامل في أيهما شاء ، فيتعين للقراض . والله أعلم . 
ولو 
كانت دراهمه في يد غيره وديعة ، فقارضه عليها ، صح ، ولو كانت غصبا ، صح على الأصح ، كما لو رهنه عند الغاصب . وعلى هذا ، لا يبرأ من ضمان الغصب كما في الرهن . 
قلت : معناه : لا يبرأ بمجرد القراض . أما إذا تصرف العامل فباع واشترى ، فيبرأ من ضمان الغصب ، لأنه سلمه بإذن المالك ، وزالت عنه يده ، وما يقبضه من الأعواض ، يكون أمانة في يده ، لأنه لم يوجد منه فيها مضمن . والله أعلم . 
الشرط الرابع : أن يكون رأس المال مسلما إلى العامل ، ويستقل باليد عليه والتصرف فيه . فلو شرط المالك أن يكون الكيس في يده ويوفي منه الثمن إذا اشترى العامل شيئا ، أو شرط أنه يراجعه في التصرفات ، أو مشرفا نصبه ،   
[ ص: 119 ] فسد القراض . ولو شرط أن يعمل معه المالك بنفسه ، فسد على الصحيح . وقال  
أبو يحيى البلخي     : يجوز على سبيل المعاونة والتبعية . ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك ، فوجهان . ويقال : قولان . الصحيح الذي عليه الأكثرون : صحته ، لأن العبد مال ، ولمالكه إعارته وإجارته ، فيكون في معنى إذن المالك في استخدامه . هذا إذا لم يصرح بحجة على العامل ، فأما إذا قال : على أن يعمل معك غلامي ولا تتصرف دونه ، أو يكون بعض المال في يده ، فيفسد قطعا . ولو شرط أن يعطيه بهيمة يحمل عليها ، جاز على المذهب . ولو لم يشرط عمل الغلام معه ، ولكن شرط ثلث الربح له والثلث لغلامه ، والثلث للعامل ، جاز . وحاصله : اشتراط ثلثي الربح لنفسه ، نص عليه في " المختصر " . 
فرع 
قال  
المتولي     : لو 
كان بينه وبين غيره دراهم مشتركة ، فقال لشريكه : قارضتك على نصيبي منها ، صح ، إذ ليس له إلا الإشاعة ، وهي لا تمنع صحة التصرف . قال : ولو خلط ألفين بألف لغيره ، ثم قال صاحب الألفين للآخر : قارضتك على أحدهما وشاركتك في الآخر ، فقبل ، جاز ، وانفرد العامل بالتصرف في ألف القراض ، ويشتركان في التصرف في باقي المال ، ولا يخرج على الخلاف في الصفقة الواحدة تجمع عقدين مختلفين ، لأنهما جميعا يرجعان إلى التوكيل بالتصرف . 
فرع 
لا يجوز 
جعل رأس المال سكنى دار ، لأنه إذا لم يجعل العرض رأس مال ، فالمنفعة أولى .