صفحة جزء
ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة آية فصاعدا وفي بعض آية روايتان . ويجوز له العبور في المسجد ويحرم عليه اللبث فيه إلا أن يتوضأ .


( ومن لزمه الغسل حرم عليه ) ما يحرم على المحدث ، وحرم عليه ( قراءة آية ) على الأصح ، رويت كراهة ذلك عن عمر ، وعلي ، وروى أحمد ، وأبو داود ، والنسائي من رواية عبد الله بن سلمة - بكسر اللام عن علي قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحجبه ، وربما قال : لا يحجزه ، من القرآن شيء ليس الجنابة ورواه ابن خزيمة ، والحاكم ، والدارقطني ، وصححاه ، قال شعبة : لست أروي حديثا أجود من هذا . فيدخل فيه الكافر إذا أسلم ولم يغتسل ، فإنه يحرم عليه القراءة ، وضعفه الشيخ تقي الدين ، وقال لا وجه له ، وعن أحمد : جواز قراءتها ، نقلها الخطابي ، وأشار إليها في " التلخيص " فقال : وقيل : يتخرج من تصحيح خطبة الجنب قراءة آية لاشتراطها ، وظاهره أنه لا يجوز قراءة آيات للتعوذ ، وفي " الواضح " أنه يجوز آية وآيتان ، لأنه لا إعجاز فيه بخلاف ما إذا طال ، وقيل : يباح لحائض ونفساء بعد انقطاع الدم ، قال القاضي : هو ظاهر كلام أحمد ، وقيل : يباح لنفساء فقط ، اختاره الخلال ، وقيل : يباح لحائض أن تقرأ قبل الانقطاع ، قال المجد : وهو بعيد . لكن [ ص: 188 ] اختار الشيخ تقي الدين بأنه يباح لها أن تقرأه إذا خافت نسيانه بل يجب ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب .

( وفي بعض آية روايتان ) أظهرهما : لا يجوز ، قاله في " الشرح " وهو ظاهر " الوجيز " لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن رواه ابن ماجه ، والترمذي ، وقال : لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ، ولأنه يطلق عليه . أشبه الكثير ، ويستثنى منه قول : بسم الله تبركا على الغسل والوضوء ، والحمد لله عند تجدد نعمة ، بشرط عدم قصد القراءة ، نص عليه .

والثانية : الجواز ، وهي الأصح ، وقدمه في " المحرر " و " الرعاية " كالذكر ، ولو كررها ما لم يتحيل على قراءة تحرم عليه ، فإذا وافق نظم القرآن ، ولم يقصده جاز ، نص عليه ، وله تهجيه في الأصح ، والتفكر فيه ، وتحريك شفتيه ما لم يبين الحروف ، وقراءة أبعاض آية متوالية ، أو آيات يسكت بينها سكوتا طويلا ، وظاهره أن من فمه نجس لا يمنع من قراءته ، ويحتمل المنع ، وذكر ابن تميم أنه أولى .

فرع : الكافر كالجنب يمنع من قراءته ، ولو رجي إسلامه ، نقل مهنا : أكره أن يضعه في غير موضعه .

( ويجوز له العبور في المسجد ) ذكره في " المستوعب " وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " لقوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل [ النساء 43 ] ، وهو الطريق ، وقال سعيد بن منصور : حدثنا هشيم ، أنبأنا أبو الزبير ، عن جابر ، قال : كان أحدنا في المسجد جنبا [ ص: 189 ] مجتازا ، وحديث عائشة : إن حيضتك ليست في يدك رواه مسلم ، شاهد بذلك ، وقيل : لحاجة ، قاله في " الشرح " وابن تميم ، وصاحب " الوجيز " وكونه طريقا قصيرا حاجة ، وكره أحمد اتخاذه طريقا ، وقيل : يحرم على حائض وجنب ، كما لو حصل تلويث ، نص عليه ، وقيل : لهما دخوله للأخذ منه دون الوضوء ، ويمنع منه سكران ، وفي الخلاف : لا ، ومجنون ، وقيل : فيه يكره ، كصغير ، وفيه : في " النصيحة " يمنع اللعب ، لا صلاة ، وقراءة ، ونقل مهنا ينبغي أن يجنب الصبيان المساجد ، وظاهره أنه يجوز له العبور في كل مسجد ، حتى مصلى العيد ، لأنه أعد للصلاة حقيقة ، لا مصلى الجنائز ، ذكره أبو المعالي ، ولم يمنع في " النصيحة " حائضا من مصلى العيد ، لأنه ليس بمسجد ، ومنعها في " المستوعب " .

( ويحرم عليه اللبث فيه إلا أن يتوضأ ) وكذا في " المحرر " و " الوجيز " وغيرهما لما روى سعيد ، وحنبل بإسنادهما عن عطاء بن يسار ، قال : رأيت رجالا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلسون في المسجد ، وهم مجنبون إذا توضئوا وضوءهم للصلاة . إسناده صحيح ، ولأن الوضوء يخفف حدثه ، فيزول بعض ما منعه ، وعنه : لا ، وفاقا للآية ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : لا أحل لحائض ولا جنب رواه أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها ، والأكثر يضعفه ، وفي " الرعاية " رواية : يجوز لجنب مطلقا ، وفيه وجه : لا يجوز لحائض ونفساء ، لأن حدثهما باق لا أثر للوضوء فيه ، فإن لم ينقطع الدم لم يجز ، نص عليه ، وإن تعذر ، [ ص: 190 ] واحتاج فبدونه ، نص عليه ، وكمستحاضة ، ونحوها ، وعند أبي المعالي ، والمؤلف : أنه يجوز بتيمم ، وهو قول علي ، وابن عباس كلبثه لغسله فيه .

فرع : يمنع من عليه نجاسة تتعدى ، وهو ظاهر قول القاضي في اللبث . قال بعضهم : يتيمم لها للعذر ، وهو ضعيف .

فرع : إذا كان الماء في المسجد جاز دخوله بلا تيمم ، وإن أراد اللبث فيه للاغتسال تيمم . قال ابن تميم : وفيه بعد ، وقال أبو علي العكبري : هذه المسألة سألها أبو يوسف لمالك ، فجوز الدخول بغير تيمم .

التالي السابق


الخدمات العلمية