صفحة جزء
[ ص: 136 ] باب محظورات الإحرام وهي تسعة : حلق الشعر وتقليم الأظفار ، فمن حلق أو قلم ثلاثة ، فعليه دم وعنه : لا يجب إلا في أربع فصاعدا وفيما دون ذلك في كل واحد مد من طعام وعنه : قبضة ، وعنه : درهم ، وإن حلق رأسه بإذنه فالفدية عليه وإن كان مكرها ، أو نائما ، فالفدية على الحالق . وإن حلق محرم رأس حلال ، فلا فدية عليه وقطع الشعر ، ونتفه كحلقه ، وشعر الرأس والبدن واحد ، وعنه : لكل واحد حكم مفرد وإن خرج في عينه شعر ، فقلعه أو نزل شعره فغطى عينيه ، فقصه أو انكسر ظفره ، فقصه أو قلع جلدا عليه شعر ، فلا فدية عليه .


باب محظورات الإحرام أي : الممنوع فعلهن في الإحرام ، ( وهي تسعة : حلق الشعر ) إجماعا لقوله - تعالى - ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [ البقرة : 197 ] نص على حلق الرأس ، وعدي إلى سائر شعر البدن ; لأنه في معناه ، إذ حلقه مؤذن بالرفاهية ، وهو ينافي الإحرام لكون أن المحرم أشعث أغبر ، وليس الحكم خاصا بالحلق بل قطعه ، ونتفه كذلك ، وعبر في " الفروع " بتركه إزالة الشعر ، وهو أولى ، لكن المؤلف تبع النص ، ولكونه هو الأغلب ، ( وتقليم الأظافر ) ; لأنه تحصل به الرفاهية أشبه الحلق ، فمن حلق ، أو قلم ثلاثة فعليه دم ، أما في حلق شعر الرأس ، فلقوله - تعالى - فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه [ البقرة : 197 ] الآية ، ولحديث كعب قال : حملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والقمل يتناثر على وجهي ، قال : ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى تجد شاة ؛ قال : لا قال : صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع . متفق عليه . والمذهب أنها تجب في إزالة ثلاث شعرات ، فما فوقها ، قاله القاضي وأصحابه ; لأن الثلاث جمع ، واعتبرت في مواضع كمحل الوفاق بخلاف ربع الرأس ، وما يماط به الأذى . وظاهره يقتضي وجوب الدم عينا ، وليس كذلك ، بل هو مخير فيه كما يأتي ، ولعله وكل التفصيل إلى بابه ، وحكم الأظافر كالشعر ; لأن المنع للترفه . وظاهره لا فرق في ذلك بين المعذور وغيره في ظاهر المذهب ; لأن النص دل على وجوبها على المعذور ، فغيره من باب أولى ، وإنما الفرق بينهما [ ص: 137 ] في جواز الإقدام ، وعدمه ، ( وعنه : لا يجب إلا في أربع فصاعدا ) نقلها جماعة ، واختارها الخرقي ; لأن الأربع كثير ، ولأن الثالث آخر أجزاء العلة ، وآخر الشيء منه فلم يجب فيه كالشعرتين ، وذكر ابن أبي موسى رواية في خمس ، اختارها أبو بكر في " التنبيه " قال في " الشرح " و " الفروع " : ولا وجه لها ، ولعله قيد الحكم بأطراف اليد كاملة ، ( وفيما دون ذلك ) أي : العدد المعتبر على الخلاف ( في كل واحد مد من طعام ) أي : إطعام مسكين ، نص عليه ، وهو المذهب ; لأنه أقل ما ، وجب شرعا فدية ، ( وعنه : قبضة ) وقاله عطاء ; لأنه لا تقدير فيه ، ولأنها اليقين ، ( وعنه : درهم ) ; لأنه قال : في الشعرتين درهمان ، ولأنه لما امتنع إيجاب جزء من الحيوان ، وجب المصير إلى القيمة ، وهو أقل ما يطلق عليه في الوحدة ، وعنه : درهم أو نصفه ، ذكرها جماعة ، وخرجها القاضي من ليالي منى .

فرع : إزالة بعض الشعرة كهي ، وكذا في الظفر لأنه غير مقدر بمساحة ، وهو يجب فيهما سواء طالا أو قصرا بل كالموضحة يجب في كبيرها ، وصغيرها .

وخرج ابن عقيل وجها : يجب بحساب المتلف كالأصبع في أنملتها ثلث ديتها ، ( وإن حلق رأسه بإذنه فالفدية عليه ) أي : على المحلوق رأسه ; لأن ذلك بإذنه أشبه ما لو باشره ، ولأنه - تعالى - أوجب الفدية عليه مع علمه أن غيره يحلقه . وظاهره أنه لا شيء على الحالق سواء كان محرما أو حلالا ، وفي " الفصول " احتمال أنه يجب عليه ، كشعر الصيد ، وفيه بعد ، فإن سكت ولم ينهه ، فقيل على الحالق كإتلافه ماله وهو ساكت ، وقيل : على المحلوق رأسه ; لأنه أمانة عنده كوديعة [ ص: 138 ] ( وإن كان مكرها أو نائما فالفدية على الحالق ) نص عليه ; لأنه أزال ما منع من إزالته ، كحلق محرم رأس نفسه ، وقيل : على المحلوق رأسه ، وفي " الإرشاد " : وجه القرار على الحالق قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال لا فدية على أحد ; لأنه لا دليل ، وفيه شيء ، وإن حلق محرم رأس حلال فلا فدية عليه أي : هدر ، نص عليه ; لأنه شعر مباح الإتلاف فلم يجب بإتلافه جزءا كبهيمة الأنعام .

وفي " الفصول " احتمال ; لأن الإحرام للآدمي كالحرم للصيد ، ( وقطع الشعر ، ونتفه كحلقه ) وكذا الظفر بغير خلاف نعلمه لاشتراك الكل في حصول الرفاهية ، ( وشعر الرأس ، والبدن واحد ) على المذهب ; لأنه جنس واحد لم يختلف إلا موضعه ، وكلبسه سراويل ، وقميصا ، ( وعنه : لكل واحد حكم مفرد ) لأنهما كجنسين لتعلق النسك بحق الرأس فقط فهو كحلق ، ولبس ، وذكر جماعة إن تطيب أو لبس في رأسه وبدنه فالروايتان ، ونص أحمد فدية واحدة ، وجزم به القاضي ، وابن الخطاب ; لأن الحلق إتلاف فهو آكد ، والنسك يختص بالرأس فعلى الأولى لو قطع من بدنه شعرتين ، وفي رأسه واحدة ، وجبت الفدية ، وعلى الثانية يجب في كل واحدة ما تقدم .

( وإن خرج في عينه شعر ، فقلعه ، أو نزل شعره فغطى عينيه فقصه ) فلا شيء عليه ; لأن الشعر آذاه فكان له إزالته من غير فدية كقتل الصيد الصائل بخلاف ما إذا حلق شعره لقمل أو صداع ، وشدة حر فإنها تجب الفدية ; لأن الإيذاء من غير الشعر ( أو انكسر ظفره فقصه ) فكذلك ; لأنه يؤذيه بقاؤه ، وكذا إن ، وقع بظفره مرض ، فأزاله له ، أو قلع أصبعا بظفر فهدر .

[ ص: 139 ] ومعنى قوله : فقصه أي : قص ما احتاجه فقط ، وقال الآجري إن انكسر فآذاه قطعه وفدى . وإن لم يمكن مداواة قرحه إلا بقصه قصه ، وفدى ( أو قلع جلدا عليه شعر فلا فدية عليه ) ; لأن الشعر زال تابعا لغيره ، والتابع لا يضمن كما لو قلع أشفار عين فإنه لا يضمن الهدب ، وفي " المبهج " إذا زال شعر الأنف أنه لا يلزمه دم لعدم الترفه ، وفيه نظر إذ لا فرق .

فوائد : للمحرم تخليل لحيته ، ولا فدية بقطعه بلا تعمد ، والمذهب إن شعر أنه انفصل من مشط أو تخليل فدى . قال أحمد إن خللها فسقط إن كان شعرا ميتا ، فلا شيء عليه ، وجزم به في " الشرح " ; لأن الأصل نفي الضمان ، لكن يستحب ، وله غسل رأسه ، وبدنه برفق نص عليه ، ما لم يقطعه وقيل : غير الجنب ، وله غسله في حمام وغيره بلا تسريح فإن غسله بسدر أو نحوه ، جاز ، قاله القاضي وجمع ، وجزم آخرون بالكراهة لتعرضه لقطع الشعر ، وعنه : يحرم ويفدي ، وله أن يحتجم ، وكره الخرقي ، للخبر ، زاد في " المحرر " وغيره : ما لم يقطع شعرا قال الشيخ تقي الدين : فيمن احتاج وقطعه لحجامة أو غسل : لم يضر .

التالي السابق


الخدمات العلمية