صفحة جزء
الفصل الرابع : لبس المخيط ، والخفين إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل ، أو لا يجد نعلين ، فيلبس خفين ، ولا يقطعهما ولا فدية عليه ، ولا يعقد عليه منطقة ولا رداء ولا غيره إلا إزاره وهميانه الذي فيه نفقته إذا لم يثبت إلا بالعقد وإن طرح على كتفيه قباء ، فعليه الفدية ، وقال الخرقي : لا فدية عليه إلا أن يدخل يديه في كميه . ويتقلد بالسيف عند الضرورة .


( الرابع : لبس المخيط ) في بدنه أو بعضه بما عمل على قدره إجماعا ( والخفين ) لما روى ابن عمر أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يلبس المحرم من الثياب فقال : لا يلبس القميص ، ولا العمامة ، ولا البرنس ، ولا السراويل ، ولا ثوبا مسه زعفران أو ، ورس ، ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين . متفق عليه . فتنصيصه على القميص يلحق به ما في معناه من الجبة ، والدراعة ، والعمامة ، يلحق بها كل ساتر ملاصق أو ساتر معتاد ، والسراويل يلحق به التبان ، وما في معناه ، وسواء كان مخيطا أو درعا منسوجا ، أو لبدا معقودا . وظاهره لا فرق بين قليل اللبس وكثيره ، لظاهر الخبر ، ولأنه استمتاع فاعتبر فيه مجرد الفعل كالوطء في الفرج ، لكن من به شيء لا يجب [ ص: 142 ] أن يطلع عليه فإنه يلبس ويفدي ، نص عليه ( إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ) لقول ابن عباس : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات يقول : السراويل لمن لم يجد الإزار ، والخفان لمن لم يجد النعلين . متفق عليه . ورواه الأثبات ، وليس فيه بعرفات ، وقال مسلم : انفرد بها شعبة ، وقال البخاري : تابعه ابن عيينة عن عمر ، ولأنه جعله بدلا ، وهو يقوم مقام المبدل ، لكن متى وجد الإزار خلع السراويل ، وفي " الانتصار " احتمال يلبس سراويل للعورة فقط ، ( ولا يقطعهما ) أي : لا يلزمه قطع خفه في المنصوص ، والمختار عملا بإطلاق حديثي ابن عباس ، وجابر فإنه لم يأمر فيهما بقطع ، ولو وجب لبينه .

يؤيده أن جماعة من الصحابة عملوا على ذلك ، وقال أحمد : قطعهما فساد ، واحتج المؤلف وغيره بالنهي عن إضاعة المال ، ولأنه ملبوس أبيح لعدم غيره أشبه السراويل ، ولأن قطعه لا يخرجه عن حالة الحظر ، فإن لبس المقطوع مع القدرة على النعلين ، كلبس الصحيح ، وعنه : إن لم يقطعهما دون كعبيه فدى ، وهي قول أكثر العلماء لخبر ابن عمر قال : في " المغني " و " الشرح " : وهي الأولى عملا بالحديث الصحيح ، وخروجا من الاختلاف ، وأخذا بالاحتياط .

وأجيب بأن زيادة القطع لم يذكرها جماعة ، وروي أنها من قول ابن عمر ، ولو سلم صحة رفعها فهي بالمدينة ، وخبر ابن عباس بعرفات ، فلو كان القطع ، واجبا لبينه للجمع العظيم الذي لم يحضر كثير منهم كلامه في المسجد في موضع البيان [ ص: 143 ] ووقت الحاجة فلزم أن يكون الإطلاق ناسخا للتقييد دفعا لمحذور تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وحكي في " المغني " عن الخطابي أنه قال : العجب من أحمد في هذا أي : في قوله بعدم القطع قال : فإنه لا يخالف سنة تبلغه ، وقل سنة لم تبلغه ، وفيه شيء ، فإن أحمد لم يخالف السنة ، ولم تخف عليه ، قال : المروزي احتججت على أبي عبد الله بحديث ابن عمر وقلت : هو زيادة في الخبر فقال : هذا حديث ، وذاك حديث فقد يتحقق - رضي الله عنه - على السنة ، وإنما نظر نظر المتبحرين الذين أمدهم الله بعونه مع أن خبرنا فيه زيادة حكم ، وهو جواز اللبس بلا قطع ; لأن هذا الحكم لم يشرع بالسنة ، قاله الشيخ تقي الدين ، وهو أحسن من ادعاء النسخ ، ( ولا فدية عليه ) لظاهر ما تقدم ولو وجبت لبينها ; لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .

فرع : الخنثى المشكل إن لبس المخيط أو غطى وجهه ، وجسده من غير لبس فلا فدية عليه ; لأن الأصل عدم الوجوب ، وإن غطى وجهه ، ورأسه أو غطى وجهه ، ولبس المخيط فدى ، وذكر أبو بكر : يغطي رأسه ويفدي ، وذكره أحمد عن ابن المبارك ، ولم يخالفه ، وجزم به في " الرعاية " .

( ولا يعقد عليه منطقة ، ولا رداء ، ولا غيره ) لقول ابن عمر لمحرم ، ولا تعقد عليه شيئا " . رواه الشافعي ، وروى هو ، ومالك أنه كان يكره لبس المنطقة للمحرم ، ولأنه يترفه بذلك أشبه اللباس . وظاهره لا فرق في ذلك بين ربطه بالعقد أو بشوكة أو إبرة أو غير ذلك فإن فعل ، أثم من غير حاجة وفدى ، وكذا [ ص: 144 ] إن كان معها كوجع ظهر ونحوه ، نص عليه ، لكن إن كان فيها بعضه ، فحكمها كالهميان ، وعنه : أنها كهميان ، واختاره الآجري ، وابن أبي موسى وغيرهما ، وذكر المؤلف : أن الفرق بينهما النفقة ، وعدمها ، وإلا فهما سواء .

فرع : لا بأس أن يتشح بالقميص ، ويرتدي به ، وبرداء ، ولا يعقده ; لأن المنهي عنه المخيط على قدر العضو إلا إزاره فيجوز له عقده ; لأنه يحتاجه لستر عورته فأبيح كاللباس للمرأة فدل أنه لو شد ، وسطه بمنديل ونحوه ، جاز ، ما لم يعقده ، قال أحمد : في محرم حزم عمامة على وسطه ، لا يعقدها بعضها في بعض قال طاوس : فعله ابن عمر ، وقيل : لا بأس بشد ، وسطه بحبل ونحوه لحاجة ، ولا يسن شق أسفل إزاره نصفين بعقد كل نصف على ساق; لأنه يشبه السراويل ، ( وهميانه الذي فيه نفقته ) فيباح قال ابن عبد البر : أجازه فقهاء الأمصار إذا لم يثبت إلا بالعقد لقول عائشة أوثق عليك نفقتك ، وروي عن ابن عباس ، وابن عمر معناه بل رفعه بعضهم . ولأن الحاجة تدعو إلى عقده ، فجاز كعقد الإزار قال ابن تميم : كانوا يرخصون في عقده ، لا في عقد غيره . وظاهره أنه إذا ثبت بغير العقد كما لو أدخل السيور بعضها في بعض ، لم يجز عقده لعدم الحاجة ، وكما لو لم يكن فيه نفقة ، وفي " الروضة " لا يعقد سيوره ، وقيل : لا بأس احتياطا للنفقة .

مسألة : له حمل جرابه ، وقربة الماء ، ولا يدخله في صدره ، نص عليهما [ ص: 145 ] ( وإن طرح على كتفيه قباء فعليه الفدية ) مطلقا ، نص عليه ، اختاره الأكثر لما روى ابن المنذر مرفوعا أنه نهى عن لبس الأقبية للمحرم ، ورواه النجاد عن علي ، ولأنه مخيط ، وهو عادة لبسه كالقميص ، ( وقال الخرقي : لا فدية عليه إلا أن يدخل يديه في كميه ) هذا رواية ، واختارها في " الترغيب " ورجحها في " المغني " وغيره ; لأنه إذا لم يدخل يديه فيهما لم يشتمل على جميع بدنه فهو كالقميص إذا ارتدى به . وظاهره أنه إذا أدخل إحدى يديه لا فدية عليه ، وفي " الواضح " بلى ، ( ويتقلد بالسيف عند الضرورة ) لما روى البراء بن عازب قال : لما صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديبية صالحهم أن لا يدخلها إلا بجلبان السلاح : القراب بما فيه . متفق عليه . وهذا ظاهر في إباحته عند الحاجة لأنهم لم يكونوا يأمنون أهل مكة أن ينقضوا العهد . وظاهره أنه لا يجوز ، عند عدمها لقول ابن عمر : لا يحمل المحرم السلاح في الحرم قال المؤلف : والقياس يقتضي إباحته ; لأنه ليس في معنى اللبس كما لو حمل قربة في عنقه ، وعنه : يجوز أن يتقلد بالسيف بلا حاجة اختاره ابن الزاغوني قال في " الفروع " : ويتوجه أن المراد غير مكة ; لأن حمل السلاح بها لا يجوز إلا لحاجة . نقل الأثرم : لا يتقلد بمكة إلا لخوف . روى مسلم عن جابر مرفوعا : لا يحل أن يحمل السلاح بمكة ، وإنما منع أحمد من تقليد السيف ; لأنه في معنى اللبس .

التالي السابق


الخدمات العلمية