صفحة جزء
فصل

الخامس : الطيب فيحرم عليه تطييب بدنه وثيابه وشم الأدهان المطيبة ، والادهان بها ، وشم المسك ، والكافور ، والعنبر ، والزعفران ، والورس ، وأكل ما فيه طيب ، يظهر طعمه أو ريحه ، وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده ، فلا فدية عليه . وله شم العود والفواكه والشيح والخزامى ، وفي شم الريحان والنرجس والورد والبنفسج والبرم ونحوها ، والادهان بدهن غير مطيب في رأسه روايتان وإن جلس عند العطار أو في موضع ليشم الطيب فشمه ، فعليه الفدية ، وإلا فلا .


فصل ( الخامس : الطيب ) فيحرم إجماعا لأمره - عليه السلام - يعلى بن أمية بغسله [ ص: 146 ] وقال في " المحرم " الذي وقصته راحلته ، " ولا تحنطوه . متفق عليهما .

ولمسلم ، ولا تمسوه بطيب ، وإذا منع المحرم الميت من الطيب مع استحبابه له فالمحرم الحي أولى ( فيحرم عليه تطييب بدنه ) أو شيئا منه ، نص عليه ، ( وثيابه ) لحديث ابن عمر ، ولأنه يعد مطيبا لكل واحد منهما ، ( وشم الأدهان المطيبة ) كدهن الورد ، والبنفسج ، ونحوهما ، ( والادهان بها ) ; لأنها تقصد رائحتها ، وتتخذ للطيب أشبه ماء الورد ، ( وشم المسك والكافور والعنبر والزعفران والورس ) ; لأنها هكذا تستعمل ، وكذا التبخر بالعود ، والند ; لأنه استعمله على وجه التطيب ، ( وأكل ما فيه طيب ) كمسك ، ونحوه ( يظهر طعمه ) ; لأن الطعم يستلزم الرائحة .

وقيل : لا فدية لبقاء لونه ، ولو لم تمسه النار ( أو ريحه ) ; لأنها المقصود منه . وظاهره ، ولو طبخ أو مسه نار لبقاء المقصود منه ، وليس هذا خاصا بالمأكول بل المشروب كذلك ; لأنه يحرم تناول الطيب كالاكتحال ، ونحوه ; لأنه استعمال للطيب أشبه شمه ، ومتى فعل شيئا من ذلك لزمه الفدية ; لأنه فعل ما حرمه الإحرام كاللباس .

مسألة : للمشتري حمله وتقليبه إن لم يمسه ، ذكره جماعة لو ظهر ريحه ; لأنه لم يقصد للتطيب ، ولا يمكن الاحتراز منه قال في " الفروع " : ويتوجه : ولو علق بيده لعدم القصد ، ولحاجة التجارة ، وقال ابن عقيل : إن حمله مع ظهور ريحه لم يجز ، وإلا جاز ، ( وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده ) كالمسك غير المسحوق ، وقطع الكافور ، والعنبر ( فلا فدية عليه ) لأنه غير مستعمل للطيب ، وشمه سبق . وظاهره أنه إذا علق بيده كالغالية ، والمسك ، والمسحوق ، عليه الفدية ; لأنه مستعمل للطيب ( وله شم العود ) ; لأن المقصود منه التبخير [ ص: 147 ] ( والفواكه ) كلها كالأترج ، والتفاح ، والسفرجل ، ونحوه ، ( والشيح والخزامى ) من نبات الصحراء ، وكذا ما ينبته آدمي لغير قصد الطيب كحناء ، وعصفر ; لأنه ليس بطيب ، ولا يتخذ منه طيب ، ولا يسمى متطيبا عادة ، وكذا له شم قرنفل ودارصيني ونحوهما ، ( وفي شم الريحان ) هذا شروع في بيان حكم ما ينبته الآدمي لقصد شمه ، ولا يتخذ منه طيب كريحان فارسي ، ومحل الخلاف فيه ، وهو معروف بالشام ومكة والعراق ، وأما عند العرب فالريحان هو الآس ، ولا فدية في شمه قطعا ، ( والنرجس ) وهو أعجمي معرب ( والبنفسج ) وهو معرب أيضا ، ( والورد والبرم ) بفتح الباء والراء هو العضاه ، الواحد برمة ( ونحوها ) كنمام ، ومرزجوش ، وفي ذلك روايتان . إحداهما : يباح ، اختاره أكثر الأصحاب ، وهو قول عثمان ، وابن عباس ; لأنه إذا يبس ذهبت رائحته أشبه نبت البرمة .

فعليها : لا فدية فيه لإباحته ، والثانية : يحرم لقول جابر لا يشمه . رواه الشافعي ، وكرهه ابن عمر قاله أحمد ; لأنه يتخذ للطيب كالورد فحينئذ تجب الفدية ، ولكن ما ينبته الآدمي تارة يتخذ منه طيب كالورد ، والبنفسج ، والياسمين ، وهو الذي يتخذ منه الزئبق فالأشهر : يحرم ويفدي ، اختاره القاضي ، والمؤلف ، وغيرهما ، كماء الورد ، وتارة لا يتخذ منه طيب ، كالريحان فاختار الأكثر إباحته ، وماء الريحان كهو . وفي " الفصول " احتمال بالمنع كماء ورد ، وقيل : عكسه ( والادهان بدهن غير مطيب ) كزيت ، وسيرج ( في رأسه روايتان ) أنصهما : له فعله ، قدمه في " المحرر " و " الفروع " لأنه - عليه السلام - فعله . رواه أحمد والترمذي وغيرهما ، من حديث ابن عمر من رواية فرقد السبخي ، وهو ضعيف وذكره البخاري عن ابن عباس لعدم الدليل ، والثانية المنع ، ويفدي ، ذكر القاضي : أنها اختيار الخرقي ، كالمطيب [ ص: 148 ] ولأنهما أصل الأدهان ، ولم يكتسب الدهن إلا الرائحة ، ولا أثر لها منفردة ، ومنع القاضي ذلك ، وهو واضح ، ولأنه يزيل الشعث ، ويسكن الشعر . وظاهره أنه لا يمنع من الادهان به في بقية بدنه ، صرح به في " المغني " وقال في " الشرح " : لا نعلم عن أحمد فيه منعا ، وحكى ابن المنذر أن عوام أهل العلم أجمعوا على أن للمحرم أن يدهن بدنه بشحم وزيت وسمن ، وإنما خص الرأس ; لأنه محل الشعر بالوجه كذلك فلهذا قال بعض أصحابنا : هما في دهن شعره ، وذكر القاضي في " تعليقه " وأبو الخطاب ، وصاحب " التلخيص " و " الكافي " فيه أن الخلاف جار في دهن بدنه ، كرأسه ; لأنه مثله .

تنبيه : يقدم غسل طيب على نجاسة يتيمم لها ، ولا يحرم دلالة على طيب ، ولباس ذكره القاضي ، وابن شهاب لعدم ضمانه بالسبب ، ولا يتعلق بهما حكم مختص بخلاف الدلالة على الصيد فإنه يتعلق به حكم مختص ، وهو تحريم الأكل والإثم ( وإن جلس عند العطار أو في موضع ) كقصد الكعبة حال تجميرها أو حمل معه عقدة فيها مسك ليجد ريحها ( ليشم الطيب فشمه فعليه الفدية ) ، نص عليه ; لأنه شمه قاصدا فحرم كما لو باشره ، وقال ابن حامد : يباح ، والأول أشهر ، ( وإلا فلا ) أي : لا شيء عليه إذا جلس عند العطار لحاجته أو دخل الكعبة للتبرك بها ، وإذا اشتراه كما سبق ; لأنه لا يمكن الاحتراز منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية