صفحة جزء
السابع : عقد النكاح لا يصح منه وفي الرجعة روايتان ، ولا فدية عليه في شيء منهما .


فصل ( السابع : عقد النكاح ) فإنه محظور إلا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا يصح منه ) لما روى مسلم عن عثمان مرفوعا : لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب وعن ابن عمر أنه كان يقول : لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ، ولا يخطب على نفسه ، ولا على غيره . رواه الشافعي ، ورفعه الدارقطني . وظاهره لا فرق بين أن يتزوج أو يزوج محرمة أو يكون وكيلا أو وليا نقله الجماعة ، وسواء تعمد أو لا ، وأجازه ابن عباس لروايته أنه - عليه السلام - تزوج ميمونة ، وهو محرم . متفق عليه . ولأحمد ، والنسائي : وهما محرمان ، ولأنه عقد ملك به الاستمتاع فلم يحرمه الإحرام كشراء الإماء .

وجوابه : ما روى يزيد عن ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالا ، وبنى بها حلالا ، وماتت بسرف إسناده جيد . رواه أحمد ، وقال الترمذي غريب ، ولمسلم عن يزيد عن ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال ، وكانت خالتي ، وخالة ابن عباس . وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة حلالا ، وبنى بها حلالا ، وكنت الرسول بينهما إسناده جيد . رواه أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، وقال ابن المسيب : وهل ابن عباس ، وفي رواية : وهم ، رواهما الشافعي .

[ ص: 160 ] وبالجملة فقصة ميمونة مختلفة ، ورواية الحل أكثر ، وفيها صاحب القصة ، والسفير فيها ، ولا مطعن فيها مع موافقتها لما تقدم ، وفيها زيادة مع صغر ابن عباس إذن ، ويمكن حمل قوله : وهو محرم أي : في الشهر الحرام أو البلد الحرام كقولهم : قتل عثمان محرما ، أو تزوجها حلالا ، وظهر تزويجها وهو محرم . ثم لو وقع التعارض فحديثنا أولى ; لأنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك فعله . ويحتمل أن يكون خاصا به ، وعليه عمل الخلفاء ، وعقد النكاح يخالف شراء الأمة ; لأنه يحرم بالعدة ، والردة ، واختلاف الدين ، وكون المنكوحة أختا له من الرضاع ، والنكاح يراد به الوطء غالبا بخلاف شراء الأمة فافترقا ، وعنه : إن زوج المحرم غيره ، صح ; لأنه سبب لإباحة محظور لحلال ، فلم يمنعه الإحرام كحلقه رأس حلال ، وروي عنه أنه قال : لم أفسخه ، [ وهو ] محمول على أنه مختلف فيه ، وعلى المذهب الاعتبار بحالة العقد ، فلو وكل محرم حلالا فيه فعقده بعد حله صح في الأشهر ، وعكسه بعكسه ولو وكل ، ثم أحرم ، لم ينعزل وكيله في الأصح ، وله عقده إذا حل ، فلو وكل حلال مثله فعقده ، فأحرم الموكل ، واختلفا ، فقالت : عقد بعد الإحرام ، وقال هو : قبله ، قبل قوله ، وكذا في عكسه ; لأنه يملك فسخ العقد فملك الإقرار به ، لكن يلزمه نصف الصداق ، ويصح مع جهلهما وقوعه ; لأن الظاهر صحته .

تتمة : دخل في كلامه ما لو أحرم الإمام الأعظم فإنه يمنع من التزويج لنفسه ، وسائر أقاربه ، وهل يمنع أن يزوج بالولاية العامة ؛ فيه احتمالان ذكرهما ابن عقيل [ ص: 161 ] واختار الجواز لحله حال ولايته ، والاستدامة أقوى ; لأن الإمامة لا تبطل بفسق طرأ ، وفي " التعليق " لم يجز أن يزوج ويزوج خلفاؤه ، وصرح به في " الوجيز " ; لأنه يجوز بولاية الحكم ما لا يجوز بولاية النسب بدليل تزويج الكافرة ، وإن أحرم نائبه فكهو ، قاله بعض أصحابنا .

( وفي الرجعة روايتان ) كذا في " الفروع " المنع ، نقله الجماعة ، ونصره القاضي وأصحابه ; لأنه عقد وضع لإباحة البضع ، أشبه النكاح . والثانية : الإباحة اختارها الخرقي ، وجزم بها في " الوجيز " وصححها في " المغني " و " الشرح " ; لأنها إمساك ، ولأنها مباحة قبل الرجعة فلا إحلال ، ولو قلنا لم يكن ذلك مانعا من رجعتها ، كالتكفير للمظاهر وتعقبه القاضي ، ( ولا فدية عليه في شيء منهما ) ; لأنه عقد فسد لأجل الإحرام فلم يجب به فدية كشراء الصيد ، ولا فرق فيه بين الإحرام الصحيح ، والفاسد قاله في " الشرح " .

مسألة : يكره للمحرم الخطبة كخطبة العقد وشهوده ، وحرمها ابن عقيل ، كتحريم دواعي الجماع ، وتكره شهادته فيه ، وحرمها ابن عقيل ، وقدمها القاضي ، واحتج بنقل حنبل : لا يخطب . قال : معناه : لا يشهد النكاح ، وما روي فيه : " ولا تشهد " فلا يصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية