صفحة جزء
فصل الثامن : الجماع في الفرج قبلا كان أو دبرا من آدمي أو غيره ، فمتى فعل ذلك قبل التحلل الأول فسد نسكه عامدا كان أو ساهيا ، وعليهما المضي في فاسده والقضاء على الفور من حيث أحرما أولا ، ونفقة المرأة في القضاء عليها إن طاوعت ، وإن كانت مكرهة ، فعلى الزوج ويتفرقان من الموضع الذي أصابها فيه إلى أن يحلا . وهل هو واجب أو مستحب ؛ على وجهين . وإن جامع بعد التحلل الأول ، لم يفسد حجه ويمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم . وهل يلزمه بدنة أو شاة ؛ على روايتين .


فصل ( الثامن : الجماع في الفرج ) لقوله - تعالى - : فمن فرض فيهن الحج فلا رفث [ البقرة : 197 ] قال ابن عباس : هو الجماع بدليل قوله - تعالى - أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم [ البقرة : 187 ] يعني الجماع ، وقد حكاه ابن [ ص: 162 ] المنذر إجماع العلماء أنه يفسد النسك به ، وفي " الموطأ " : بلغني أن عمر وعليا وأبا هريرة سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم ، فقالوا : ينفذان لوجههما حتى يقضيا حجهما ، ثم عليهما حج من قابل والهدي ، ولم يعرف لهم مخالف ، والمراد به : إذا كان أصليا ، وصرح به في " الوجيز " ( قبلا كان أو دبرا من آدمي أو غيره ) لوجوب الحد والغسل ، وخرج بعضهم : لا يفسد بوطء بهيمة من عدم الحد ، أشبه الوطء دون الفرج ، وأطلق الحلواني وجهين : أحدهما ، لا يفسد ، وعليه شاة ( فمتى فعل ذلك قبل التحلل الأول فسد نسكه ) لما قلنا . وظاهره ، ولو بعد الوقوف بعرفة ، ونقله الجماعة ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، وهو مطلق ، ولأنه جماع صادف إحراما تاما كقبل الوقوف .

وقوله الحج عرفة أي : معظمه ، ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد ، بدليل العمرة ، وإدراك ركعة من الجمعة ( عامدا كان أو ساهيا ) نقله الجماعة ; لأن بعض الصحابة قضوا بفساد الحج ، ولم يستفصلوا ، ولو اختلف الحال لوجب البيان ، ولأنه سبب يتعلق به وجوب القضاء فاستويا كالفوات ، وفيه نظر ; لأنه ترك ركن فأفسد ، والوطء فعل منهي عنه ، والجاهل بالتحريم ، والمكره كالناسي . وفي " الفصول " رواية " لا يفسد " اختاره الشيخ تقي الدين ، وأنه لا شيء عليه ، وهو متجه قاله في " الفروع " والمذهب : أن المرأة المطاوعة كالرجل لوجود الجماع منهما ، بدليل الحد ، وعنه : يجزئهما هدي واحد ; لأنه جماع واحد ، وعنه : لا فدية عليها ; لأنه لا وطء منها ، ذكر جماعة كالصوم ، والأشهر أنه لا فدية على مكرهة ، نص عليه ، كالصوم ( وعليهما المضي في فاسده ) ولا يخرج منه روي عن عمر ، وعلي وأبي هريرة وابن عباس ، وحكمه كإحرام [ ص: 163 ] صحيح نقله الجمهور ، وذكره القاضي وغيره عن جماعة الفقهاء لقوله - تعالى - وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة : 196 ] وقد روي مرفوعا أنه أمر المجامع بذلك ، ولأنه معنى يجب به القضاء فلم يخرج به منه كالفوات ، ونقل ابن إبراهيم عن أحمد أنه يعتمر من التنعيم ، ومقتضاه أنه يجعل الحج عمرة ، ( و ) يلزمهما ( القضاء ) بغير خلاف نعلمه ، لما روى ابن وهب بإسناده عن سعيد بن المسيب أن رجلا جامع امرأته ، وهما محرمان فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهما : أتما حجكما ثم ارجعا وعليكما حجة أخرى قابل حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتها فأحرما وتفرقا ولا يؤاكل واحد منكما صاحبه ، ثم أتما مناسككما وأهديا ورواية ابن وهب عن ابن لهيعة صحيحة عند جماعة وهذا منها ، وروى سعيد والأثرم عن عمر وابن عباس معناه ، ولا فرق في الذي أفسدها أن تكون فرضا بأصل الشرع أو النذر أو قضاء ، لكن إذا أفسده ، فإنه يقضي الواجب ، لا القضاء كالصوم والصلاة ، ويلزمه قضاء النفل ، نص عليه ، وإليه ذهب الأصحاب ; لأنه لزم بالدخول فيه ، وعنه : لا قضاء فيه . وعلى المذهب هو ( على الفور ) لتعينه بالدخول فيه ( من حيث أحرما أولا ) أي : يلزم الإحرام بالقضاء من أبعد الموضعين الميقات أو إحرامه الأول ، نص عليه ; لأنه إن كان الميقات أبعد لم يجز له تجاوزه بغير إحرام ، وإن كان موضع إحرامه أبعد لزمه منه ; لأن القضاء يحكي الأداء ، وإلا لزمهما من الميقات ، ( ونفقة المرأة في القضاء عليها إن طاوعت ) لقول ابن عمر : وأهديا هديا أضاف الفعل إليهما ، وقول ابن عباس : أهد ناقة ، ولتهد ناقة . ولأنها بمطاوعتها أفسدت نسكها فكانت النفقة عليها كالرجل ، ( وإن كانت مكرهة فعلى الزوج ) ; لأنه المفسد لنسكها فكانت عليه نفقتها كنفقة نسكه [ ص: 164 ] ( ويتفرقان ) في القضاء ( من الموضع الذي أصابها فيه ) في ظاهر المذهب لما سلف ، وعنه : من حيث يحرمان لقول ابن عباس : ويتفرقان من حيث يحرمان ، ولا يجتمعان حتى يقضيا حجهما ( إلى أن يحلا ) ; لأن التفريق خوف المحظور فجميع الإحرام سواء ، ومراده بالتفريق : أن لا يركب معها في محمل ، ولا ينزل معها في فسطاط ، نص عليه ، لكن ذكر المؤلف : أنه يكون بقربها يراعي حالها ; لأنه محرمها فظاهره أنه محرمها ، وهو ظاهر كلامهم ، ونقل ابن الحكم : يعتبر أن يكون معها محرم غيره ، ( وهل هو واجب أو مستحب على وجهين ) المذهب : أنه مستحب ; لأنه ربما ذكر إذا بلغ الموضع فسوق نفسه فواقع المحذور وهذا وهم لا يقتضي الوجوب ، ولم يتفرقا في قضاء رمضان إذا أفسداه ; لأن الحج أبلغ في منع الداعي لمنعه مقدمات الجماع ، والطيب ، بخلاف الصوم .

والثاني : يجب ; لأن ابن عباس ذكره حكما للمجامع فكان ، واجبا كالقضاء .

تنبيه : العمرة كالحج ; لأنها أحد النسكين كالآخر ، فإن كان مكيا ، أو مجاورا بها ، أحرم للقضاء من الحل ; لأنه ميقاتها سواء أحرم بها منه ، أو من الحرم ، وإن أفسد المتمتع عمرته ، ومضى فيها فأتمها قال أحمد : يخرج من الميقات فيحرم منه بعمرة ، فإن خاف فوت الحج أحرم به من مكة ، وعليه دم لتركه الميقات ، فإذا فرغ منه ، أحرم من الميقات بعمرة مكان التي أفسدها ، وعليه دم إذا قدممكة ; لما أفسد من عمرته .

( وإن جامع بعد التحلل الأول ) أي : بعد زمن جمرة العقبة ( لم يفسد حجه ) في قول أكثر العلماء لقوله - عليه السلام - : الحج عرفة ولقول ابن عباس [ ص: 165 ] في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر : ينحران جزورا بينهما ، وليس عليه الحج من قابل . رواه مالك ، ولا يعرف له في الصحابة مخالف ، ولأنها عبادة لها تحللان ، فوجود المفسد بعد أولهما لا يفسدها ، كما بعد التسليمة الأولى من الصلاة ، ويتوجه أنه يفسد كالأول إن بقي إحرامه ، وفسد بوطئه ، وقوله في " التنبيه " : من وطئ من الحج قبل الطواف ، فسد حجه ، محمول على ما قبل التحلل ، فإن طاف للزيارة ، ولم يرم ، فذكر في " الشرح " وقدمه غيره : أنه لا شيء عليه مطلقا ; لأن الحج قد تمت أركانه كلها . وظاهر كلام جماعة خلافه ، لوجوده قبل ما يتم به التحلل ، ( ويمضي إلى التنعيم ) وهو من الحل بين مكة ، وسرف على فرسخين من مكة ، وسمي به ; لأن جبلا عن يمينه اسمه نعيم ، وآخر عن شماله اسمه ناعم ، والوادي نعمان بفتح النون ( فيحرم ليطوف ) ; لأن إحرامه قد فسد بالوطء فلزمه الإحرام من الحل ; ليقع طواف الزيارة في إحرام صحيح ، وليس الإحرام من التنعيم شرطا فيه ، وإنما المراد أن يحرم من الحل ليجمع بين الحل والحرام ، ولكن المؤلف تبع الخرقي ، وهو للإمام ; لأنه أقرب الحل إلى مكة . وظاهره أنه لا يلزمه غير الطواف إذا كان قد سعى ، فإن لم يكن سعى طاف للزيارة وسعى وتحلل ; لأن الإحرام إنما وجب ليأتي بما بقي من الحج .

هذا ظاهر كلام جماعة منهم الخرقي فقول أحمد ومن وافقه من الأئمة : إنه يعتمر ، يحتمل أنهم أرادوا هذا وسموه عمرة ; لأن هذه أفعالها ، وصححه في " المغني " و " الشرح " . ويحتمل أنهم أرادوا عمرة حقيقية فيلزمه سعي ويقصر وعلى هذا نصوص أحمد ، وجزم به القاضي ، وابن عقيل ، وابن الجوزي ، لما سبق عن ابن عباس ، ولأنه إحرام مستأنف فكان فيه طواف ، وسعي ، وتقصير [ ص: 166 ] كالعمرة تجري مجرى الحج ، بدليل القران بينهما ، وهو محرم أي : أنه بعد التحلل الأول محرم ، وذكره الخرقي ، والقاضي وغيرهما ، لبقاء تحريم الوطء المنافي وجوده صحة الإحرام ، وفي " فنون " ابن عقيل : يبطل إحرامه على احتمال ، وذكر المؤلف في مسألة ما يباح بالتحلل الأول ينفي أنه محرم ، وإنما بقي عليه بعض الإحرام . ونقل ابن منصور ، والميموني : من وطئ بعد الرمي ينتقض إحرامه ، ويعتمر من التنعيم فيكون إحرام مكان إحرام ، فهذا المذهب أنه يفسد الإحرام بالوطء بعد رمي جمرة العقبة ، والمراد به فساد ما بقي منه لا ما مضى ، إذ لو فسد كله لوقع الوقوف إحرام .

( وهل يلزمه بدنة ، أو شاة ؛ على روايتين ) كذا في " المحرر " و " الفروع " إحداهما : يلزمه شاة ، وهي ظاهر الخرقي ، وقدمها في " المغني " و " الشرح " لعدم إفساده للحج ، كوطء دون الفرج بلا إنزال ، ولخفة الجنابة فيه ، والثانية : يلزمه بدنة ، روي عن ابن عباس ، واختارها في " الوجيز " ; لأنه وطئ في الحج فأوجبها كما قبل الرمي .

فرع : القارن كالمفرد ; لأن الترتيب للحج لا للعمرة ، بدليل تأخير الحلق إلى يوم النحر .

تنبيه : العمرة كالحج فيما تقدم ، فإن وطئ من الطواف فسدت ، وكذا قبل سعيها ، إن قلنا هو ركن أو واجب ، وفي " الترغيب " إن وطئ قبله ، خرج على الروايتين في كونه ركنا أو غيره ، ولا تفسد قبل الحلق إن لم [ ص: 167 ] يجب ، وكذا إن وجب ، ويلزمه دم ، وقدم في " الترغيب " تفسد ، ويجب بإفسادها شاة نقله أبو طالب ، وعليه الأصحاب ; لنقصها عن الحج ، وفي " الموجز " للحلواني الأشبه بدنة كالحج .

التالي السابق


الخدمات العلمية