صفحة جزء
فصل التاسع : المباشرة فيما دون الفرج لشهوة ، فإن فعل ، فأنزل ، فعليه بدنة ، وهل يفسد نسكه على روايتين ، وإن لم ينزل ، لم يفسد . فصل

والمرأة إحرامها في وجهها ، ويحرم عليها ما يحرم على الرجل إلا في اللباس ، وتظليل المحمل ، ولا تلبس القفازين ، ولا الخلخال ونحوه ولا تكتحل بالإثمد ويجوز لبس المعصفر والكحلي ، والخضاب بالحناء والنظر في المرآة لهما جميعا .


فصل ( التاسع : المباشرة ) أي : الوطء ( فيما دون الفرج لشهوة ) وكذا إن قبل أو لمس بها ، وإنما كان ذلك من محظوراته ; لأنه وسيلة إلى الوطء ، وهو محرم ، فكان حراما ( فإن فعل فأنزل فعليه بدنة ) نقله الجماعة ، وقاله الأصحاب ; لأنها مباشرة أقرن بها الإنزال فأوجبتها كالجماع في الفرج ، وعنه : شاة ذكرها القاضي إن لم تفسد كما لو لم ينزل ، وفي القياسين نظر . ( وهل يفسد نسكه على روايتين ) كذا أطلقهما في " المحرر " و " الفروع " .

إحداهما : يفسد ، نصرها القاضي وأصحابه ، واختارها الخرقي وأبو بكر في الوطء دونه ( وأنزل ) ; لأنه عبادة يفسدها الإنزال ، فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصوم .

والثانية لا يفسد صححها في " المغني " و " الشرح " وجزم بها في " الوجيز " لعدم الدليل ، ولأنه استمتاع لم يجب بنوعه الحد ، فلم يفسده كما لو لم ينزل ، وفيه شيء ، والأولى أن الصوم يفسده كل واحد من محظوراته ، والحج بالجماع فقط ، والرفث مختلف فيه فلم نقل بجميعه ، مع أنه يلزم القول به في الفسوق ، والجدال ، وعنه ثالثة : إن أمنى بالمباشرة فسد ، وإلا فلا ، وإن لم ينزل لم يفسد [ ص: 168 ] بغير خلاف نعلمه ; لأنها مباشرة عريت عن إنزال فلم يفسد به كاللمس .

وظاهر كلام الحلواني أن لنا فيه خلافا ، وما روي عن ابن عباس أنه قال : لرجل قبل زوجته أفسدت حجك ، ونحوه عن سعيد بن جبير ، محمول على الإنزال ، وإن كرر النظر ، فأمنى لم يفسد لعدم الدليل ، وكالإنزال بالفكر ، وعليه بدنة في المنصوص ، وسيأتي .

فصل ( والمرأة إحرامها في وجهها ) فيحرم عليها تغطيته ببرقع أو نقاب أو غيره ، لما روى ابن عمر مرفوعا لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين . رواه البخاري ، وقال ابن عمر إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه . رواه الدارقطني بإسناد جيد ، ويجب عليها تغطية رأسها كله ، ولا يمكنها إلا بجزء من الوجه ، ولا يمكنها كشف جميع الوجه إلا بجزء من الرأس ، والمحافظة على ستر الرأس أولى ; لأنه آكد لوجوب ستره مطلقا ، وألحق أبو الفرج به الكفين ، وحكاه في " المبهج " رواية ، فإن احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها ، جاز أن تسدل الثوب فوق رأسها على وجهها لفعل عائشة . رواه أحمد وأبو داود وغيرهما ، وشرط القاضي في الساتر أن لا يصيب بشرتها فإن أصابها ، ثم ارتفع بسرعة فلا شيء عليها ، وإلا فدت لاستدامة الستر ، ورده المؤلف بأن هذا الشرط ليس عن أحمد ولا هو من الخبر بل الظاهر منه خلافه فإنه لا يكاد يسلم المسدول من إصابة البشرة ، فلو كان شرطا لبين .

( ويحرم عليها ما يحرم على الرجال ) من قطع الشعر ، وتقليم الأظفار [ ص: 169 ] و قتل الصيد ، ونحوها ( إلا في اللباس ، وتظليل المحمل ) لحاجتها إلى الستر ، وحكاه ابن المنذر إجماعا ، وكعقد الإزار للرجل ، ولأبي داود بإسناد جيد عن عائشة قالت كنا نخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنضمد جباهنا السك والمطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره عليها . وإنما كره في الجمعة خوف الفتنة لقربها من الرجال ، ولهذا لا يلزمها بخلاف الحج ، ( ولا تلبس ) أي : يحرم عليها لبس ( القفازين ) نص عليه ، لخبر ابن عمر السابق ، وكالرجل ، وهما شيء يعمل لليدين كما يعمل للبزاة ، وفي لبسهما الفدية كالنقاب ، ولا يلزم من تغطيتهما بكمها لمشقة التحرز جوازه بهما بدليل تغطية الرجل قدميه بإزاره لا بخف ، وإنما جاز تغطية قدميها بكل شيء ; لأنها عورة في الصلاة .

وقال القاضي ، ومثلهما إن لفت على يديها خرقة أو خرقا ، وشدتها على حناء أو لا ، كشده على جسده شيئا ، وذكره في " الفصول " عن أحمد فظاهر كلام الأكثر لا يحرم ، وإن لفتها بلا شد فلا ; لأن المحرم اللبس لا التغطية كبدن الرجل ، ( ولا الخلخال ، ونحوه ) هذا رواية عن أحمد ، وهو ظاهر الخرقي ، وحملها في " المغني " و " الشرح " على الكراهة ; لأنه في الزينة كالكحل ، ولا فدية فيه بخلاف القفازين . وظاهر المذهب أن لها لبس الحلي كالسوار ، والدملج نقله الجماعة . قال نافع : كن نساء ابن عمر يلبسن الحلي ، والمعصفر ، وهن محرمات . رواه الشافعي ، وفي خبر ابن عمر : وتلبس بعد ذلك ما أحبت ، ولا دليل للمنع ، ولا يحرم لباس زينة ، وفي " الرعاية " يكره قال أحمد : المحرمة ، والمتوفى عنها زوجها يتركان الطيب ، والزينة ، ولهما سوى ذلك ، وفي " التبصرة " يحرم ، ويتوجه احتمال كحلي ، ( ولا تكتحل بالإثمد ) نقل ابن منصور لا تكتحل بالأسود [ ص: 170 ] لقول عائشة لامرأة اشتكت عينها اكتحلي بأي كحل شئت غير الإثمد والأسود ، ولأنه يراد للزينة ، ويجب الفدية به قال ابن الزاغوني : هو كاللباس ، والطيب ، والمذهب أنه يجوز إلا لزينة فيكره ، نص عليه . ورواه الشافعي عن ابن عمر ، والأصل عدم الكراهة . ولا فرق فيه بين الرجل والمرأة ، لكن إنما خصت المرأة بالذكر ; لأنها محل الزينة ، والكراهة في حقها أكثر ، وتقييدهم بالإثمد والأسود ; لأنه هو الذي تحصل به الزينة فدل على أن ما ليس بزينة لا يمنع منه ، كالذي يتداوى به ما لم يكن فيه طيب ، ولهذا كان إبراهيم لا يرى بالدرور الأحمر بأسا ، ( ويجوز لبس المعصفر ، والكحلي ) لقوله - عليه السلام - في حديث ابن عمر في حق المحرمة : ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من معصفر أو خز أوحلي . رواه أبو داود ، وعن عائشة وأسماء : أنهما كانا يحرمان في المعصفرات ، ولأنه ليس بطيب فلم يكره المصبوغ به كالسواد فإن كان مصبوغا بورس ، أو زعفران ، فلا ; لأنه طيب ، وأما المصبوغ بالرياحين فهو مبني عليها في نفسها ، لكن يكره للرجل لبس المعصفر لكراهته له في غير الإحرام ( والخضاب بالحناء ) لما روى عكرمة قال : كانت عائشة ، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يختضبن بالحناء ، وهن حرم . رواه ابن المنذر ، وهو مكروه ; لأنه من الزينة كالكحل بالإثمد فإذا اختضبت وشدت يديها بخرقة فدت ، وإلا فلا ; لأنه يقصد لونه لا ريحه عادة كخضاب بسواد ، ولا بأس به للرجل فيما لا يتشبه فيه بالنساء . ذكره في " المغني " و " الشرح " ; لأن الأصل الإباحة ، ولا دليل للمنع . وظاهر ما نقله القاضي أنه كالمرأة في الحناء ، وأطلق في " المستوعب " له الخضاب بالحناء ، وقال في موضع آخر كرهه أحمد ; لأنه من الزينة ، وقال الشيخ تقي الدين [ ص: 171 ] هو بلا حاجة مختص بالنساء ، واحتج بلعن المتشبهين ، والمتشبهات فأما خضابها به عند الإحرام فمستحب لقول ابن عمر ، ولأنه من الزينة فاستحب عند الإحرام كالطيب .

فائدة : يستحب للمزوجة أن تختضب بالحناء لما فيه من الزينة ، والتحبب للزوج كالطيب ، ويكره للأيم ، لعدم الحاجة ، مع خوف الفتنة ، وفي " المستوعب " لا يستحب لها ، وقد روى أبو موسى المديني عن جابر مرفوعا : يا معاشر النساء اختضبن فإن المرأة تختضب لزوجها ، وإن الأيم تختضب تعرض للرزق من الله - عز وجل - ( والنظر في المرآة لهما جميعا ) روي عن ابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا ينظران في المرآة ، وهما محرمان ، ولأنه لم يرد فيه ما يقتضي المنع منه ، ثم إن كان القصد منه إزالة شعث أو تسوية شعر أو شيء من الزينة ، كره . ذكره الخرقي ، وهو ظاهر ما نقل عن أحمد ، ولا فدية فيه ; لأن ذلك أدب ، وفي قول : يحرم ، وقوله : ( لهما ) يحتمل أنه لقربه ، ويحتمل أنه متعلق بـ " يجوز " وهو الظاهر .

تنبيه : يجوز للمحرم أن يتجر ، ويصنع الصنائع بغير خلاف نعلمه ما لم يشغله عن واجب أو مستحب ، وقال الآجري ، وابن الزاغوني : ويلبس الخاتم ، لكن يكره إن كان لزينة كحلي ونظر في مرآة

التالي السابق


الخدمات العلمية