صفحة جزء
فصل ومن كرر محظورا من جنس مثل أن حلق ثم حلق ، أو وطئ ثم وطئ قبل التكفير عن الأول ، فكفارة واحدة وإن كفر عن الأول ، لزمه للثاني كفارة ، وإن قتل صيدا بعد صيد ، فعليه جزاؤهما ، وعنه : عليه جزاء واحد وإن فعل محظورا من أجناس ، فعليه لكل واحد فداء ، وعنه : عليه فدية واحدة وإن حلق أو قلم أو وطئ أو قتل صيدا عامدا أو مخطئا ، فعليه الكفارة . وعنه في الصيد : لا كفارة إلا في العمد ويتخرج في الحلق مثله وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا ، فلا كفارة فيه وعنه : عليه الكفارة ومن رفض إحرامه ، ثم فعل محظورا ، فعليه فداؤه . ومن تطيب قبل إحرامه في بدنه فله استدامة ذلك في إحرامه . وليس له لبس ثوب مطيب ، وإن أحرم وعليه قميص ، خلعه ولم يشقه فإن استدام لبسه ، فعليه الفدية . وإن لبس ثوبا كان مطيبا ، وانقطع ريح الطيب منه ، وكان بحيث إذا رش فيه ماء ، هاج ريح الطيب منه ، فعليه الفدية .


فصل ( ومن كرر محظورا من جنس مثل أن حلق ، ثم حلق أو وطئ ، ثم وطئ قبل التكفير عن الأول ، فكفارة واحدة ) ، نص عليه ، وقاله الأصحاب سواء تابعه [ ص: 184 ] أو فرق أو وطئها أو غيرها . فظاهره لو قلم خمسة أظفار في خمسة أوقات لزمه دم قاله القاضي ، وعلله بأنه لما بنيت الجملة فيه على الجملة في تداخل الفدية كذا الواحد على الواحد في تكميل الدم ، ولأن ما تداخل متتابعا تداخل متفرقا كالأحداث والحدود ، ولأنه - تعالى - أوجب في حلق الرأس فدية ، ولم يفرق ، ( وإن كفر عن الأول لزمه للثاني كفارة ) ; لأنه صادف إحراما فوجبت كالأول ، ويعتبر بالحدود ، والأيمان ، وعنه : لكل وطء كفارة ; لأنه سبب لها كالأول فيطرد في غيره عنه . وإن تعدد سبب المحظور فلبس للحر ، ثم للبرد ، ثم للمرض فكفارات ، وإلا فواحدة ، وقال ابن أبي موسى : إذا لبس وغطى رأسه متفرقا ، فكفارتان ، وإن كان في وقت واحد فروايتان .

( وإن قتل صيدا بعد صيد فعليه جزاؤهما ) نقله الجماعة ، وهو المذهب ; لأن الآية تدل على أن من قتل صيدا لزمه مثله ، ومن قتل أكثر ، لزمه مثل ذلك ، ولأنه لو قتل صيودا معا تعدد الجزاء ، فكذا متفرقا ، بل أولى ، ولأنها كفارة قتل كقتل الآدمي أو بدل متلف كبدل مال الآدمي ، وعنه : عليه جزاء واحد لقوله - تعالى - ومن عاد فينتقم الله منه [ المائدة : 95 ] ولم يوجب جزاء ثانيا ، ولأنه محظور أشبه غيره ، ونقل حنبل : لا تتعدد إن لم يكفر عن الأول ، ونقل أيضا : إن تعمد قتله ثانيا فلا جزاء ، وقاله جمع من السلف ، والصحيح الأول ; لأن ذكر العقوبة في الثاني لا يمنع الوجوب لقوله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ البقرة : 275 ] وللعامد ما سلف ، وأمره إلى الله بل وقياسه على غيره لا يصح ; لأن جزاء الصيد مقدر به ، ويختلف بكبره ، وصغره بخلاف غيره [ ص: 185 ] ( وإن فعل محظورا من أجناس ) كحلق ولبس وطيب ( فعليه لكل واحد فداء ) ، نص عليه ، وهو المشهور ; لأنها مختلفة فلم تتداخل كالحدود المختلفة ، وسواء فعل ذلك مجتمعا أو متفرقا ، ( وعنه : عليه فدية واحدة ) ; لأنه فعل محظور فلم يتعدد كالجنس الواحد ، وفيه نظر ، وعنه : إن كانت في وقت واحد ، وإلا فلكل واحد كفارة ، وقاله إسحاق ، واختاره أبو بكر .

قال القاضي ، وابن عقيل : لأنها أفعال مختلفة ، وموجباتها مختلفة كالحدود المختلفة ، وقيل : إن قرب الوقت لم يتعدد الفداء ، وإلا تعدد ، ومحل الخلاف فيما إذا كانت المحظورات تتحد كفارتها فإن تعددت فلا تداخل .

( وإن حلق أو قلم أو ، وطئ أو قتل صيدا عامدا أو مخطئا فعليه الكفارة ) نص عليه ، وعليه الأصحاب ; لأنه إتلاف فاستوى عمده ، وسهوه كإتلاف مال الآدمي ، ولأن الله أوجب الفدية على من حلق لأذى به ، وهو معذور ، فدل على وجوبها على معذور بنوع آخر ، وقال الزهري : تجب الفدية على من قتل الصيد متعمدا بالكتاب ، ومخطئا بالسنة .

قال الشافعي : أنبأنا سعيد عن ابن جريج قلت لعطاء : فمن قتله خطأ أيغرم ؛ قال : نعم يعظم بذلك حرمات الله ، ومضت به السنن .

وقال عمر : ليحكم عليه في الخطأ ، والعمد . رواه النجاد .

( وعنه : في الصيد لا كفارة إلا في العمد ) وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، واختاره أبو محمد الجوزي لظاهر الآية ، ولأن الأصل براءة الذمة فلا يشغلها إلا بدليل [ ص: 186 ] وجوابه : أنه - عليه السلام - أوجب فيه الجزاء ، وفي بيضه ، ولم يفرق .

وأجاب القاضي عن الآية بأنها حجة لنا من وجه ; لأنها تقتضي أن من نسي الإحرام فقتل الصيد متعمدا ، لزمه الجزاء ، وعندهم لا يلزمه ، وخص العمد بالذكر لأجل الوعيد في آخرها ، ولأن ما سبق أخص ، والقياس يقتضيه ، وحكي عن مجاهد ، والحسن يجب الجزاء في الخطأ ، والنسيان دون العمد ، وهو غريب .

( ويتخرج في الحلق مثله ) هذا وجه وهو رواية مخرجة من قتل الصيد أي : لا تجب الكفارة إلا في العمد لعموم إن الله تجاوز ، ولأنه محرم بسبب في إحرامه أشبه الصيد ، وقصر المؤلف التخريج في الحلق وحده ، وليس كذلك بل الثاني مثله .

فرع : المكره عندنا كالمخطئ ، وذكر المؤلف أنه لا يلزمه ، وإنما هي على المكره ، وجزم به ابن الجوزي ، ( وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا ) أو جاهلا أو مكرها ، ( فلا كفارة فيه ) ، نقله الجماعة ، وهو ظاهر المذهب لما روى ابن ماجه بإسناد جيد عن ابن عباس مرفوعا : إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه قال : عبد الحق الإشبيلي رويته بالإسناد المتصل إلى ابن عباس . . . . . . وذكره ، وعن يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه جبة ، وهو متضمخ بالخلوق فأمره بخلعها وغسله ، ولم يأمره بفدية ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ( وعنه : عليه الكفارة ) نصرها القاضي وأصحابه ; لأنه فعل جريمة الإحرام فاستوى عمده ، وسهوه كقتل الصيد ، والحلق ، والفرق بأن الحالق وما في معناه لا يمكن تلافي ما فعله بخلاف اللابس ، والمتطيب ، والمغطي [ ص: 187 ] رأسه فإنه يمكنه ذلك بإزالته ، وفيه نظر ; لأن ما مضى لا يمكن تلافيه .

وظاهره أن العمد محل وفاق ، لكن عمد الصبي ومن زال عقله بعد إحرامه خطأ ، وأنه لا فرق بين القليل ، والكثير ، ( ومن رفض إحرامه ) أي : قطع منه النسك ، ( ثم فعل محظورا ) فعليه فداؤه ; لأن حكم الإحرام باق ; لأنه لا يفسد بالرفض وفاقا ، لكون أن الحج عبادة لا يخرج منه بالفساد بخلاف سائر العبادات .

فعلى هذا يجب عليه كفارة ما فعله في المحظور ; لأنه صادف الإحرام كفعله على غير وجه الرفض ، وعنه : كفارة واحدة ذكرها في " المستوعب " . وظاهره أنه لا شيء عليه لرفضه ، وقطع به في " المغني " و " الشرح " ; لأنه مجرد نية لم تفد شيئا ، وفي الترغيب ، وقدمه في " الفروع " : يلزمه دم لرفضه ، وعلم منه أنه لا يفسد الإحرام بالجنون ، والإغماء ، وذكر ابن عقيل وجهين ، وفي مفرداته مبناه على التوسعة ، وسرعة الحصول فلهذا لو أحرم مجامعا انعقد ، وحكمه كالصحيح ، ( ومن تطيب قبل إحرامه في بدنه فله استدامة ذلك في إحرامه ) لحديث عائشة ، وظاهره أنه إذا كان في يده لم يكن له استدامته ، لكن في " المغني " و " الشرح " إن طيب ثوبه له لبسه ما لم ينزعه عنه ، لأن الإحرام يمنع من ابتداء الطيب دون استدامته ، وفيه نظر ; لأنه لم يرد في الشرع ما يقتضي جواز استدامة لبس المطيب ، ( وليس له لبس ثوب مطيب ) أي : بعد إحرامه لقوله : لا تلبسوا شيئا من الثياب مسه ورس أو زعفران ( وإن أحرم ، وعليه قميص ) أو سراويل أو جبة ، ولو عبر بالمخيط لعم ( خلعه ولم يشقه ) لحديث يعلى ، ولو وجب شقها [ ص: 188 ] أو وجب عليه فدية لأمره بها ; لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولما في الشق من إضاعة المال المنهي عنه شرعا ( فإن استدام لبسه فعليه الفدية ) ; لأن خلعه واجب ، للأمر به فوجبت الفدية كما لو حلق رأسه ، ولأن استدامة اللبس تسمى لبسا لقولهم لبست شهرا . لا يقال قد أمره بغسل الطيب ; لأنه قد ، ورد ما يقتضي استدامة الطيب دون لبسه ; لأن حديث عائشة راجع على حديث صاحب الجبة من وجهين ، أحدهما أن في بعض ألفاظه عليه جبة بها أثر الخلوق ، وفي بعضها ، وهو متضمخ بالخلوق ، وفي بعضها " عليه ردع من زعفران " فيدل على أن الطيب كان من زعفران ، وهو منهي عنه في غير الإحرام ففيه أولى لنهيه - عليه السلام - عنه ، الثاني أنه كان سنة ثمان عام الجعرانة ، وحديث عائشة سنة عشر فهو متأخر ، والحكم له .

( وإن لبس ثوبا كان مطيبا ، وانقطع ريح الطيب منه ، وكان بحيث إذا رش فيه ماء هاج ريح الطيب منه فعليه الفدية ) ; لأنه مطيب ، بدليل أن رائحته تظهر ، ثم رش الماء ظاهرا لا رائحة له أشبه ما لو ظهر بنفسه ، ومقتضاه أنه لا فدية عليه إذا لم يظهر ريحه ; لأنه ليس بطيب الآن ، أشبه الذي لم يتطيب أصلا .

تنبيه : القارن كغيره ، نص عليه ، وقاله الأكثر ، لظاهر الكتاب والسنة لأنهما حرمتان كحرمة الحرم ، وحرمة الإحرام ، واختار القاضي أنه إحرامان ، وهو ظاهر كلام أحمد ; لأنه شبهه بحرمة الحرم ، وحرمة الإحرام ; لأن نية النسك ، ونية الحج غير نية العمرة ، واختار جمع أنه إحرام واحد كبيع دار وعبد صفقة واحدة ، وعنه : يلزمه بفعل المحظور جزاءان ذكرها في " الواضح " وذكر القاضي [ ص: 189 ] تخريجا إن لزمه طوافان وسعيان ، وخصها ابن عقيل بالصيد كما لو أفرد كل واحد بإحرام ، والفرق ظاهر ، وكما لو وطئ وهو محرم صائم .

التالي السابق


الخدمات العلمية