صفحة جزء
[ ص: 192 ] باب جزاء الصيد وهو ضربان ، أحدهما : ماله مثل من النعم ، فيجب فيه مثله ، وهو نوعان : أحدهما قضت به الصحابة ، ففيه ما قضت . . . . . . . . ففي النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش وبقرته والإيل والثيتل والوعل بقرة ، وفي الضبع كبش وفي الغزال والثعلب عنز ، وفي الوبر والضب جدي ، وفي اليربوع جفرة لها أربعة أشهر ، وفي الأرنب عناق ، وفي الحمام وهو كل ما عب وهدر شاة وقال الكسائي : كل مطوق حمام .


باب جزاء الصيد وهو واجب ، لقوله - تعالى - : ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم الآية [ المائدة : 95 ] فجزاء مبتدأ خبره محذوف أي : فعليه جزاء ، ومن نون " جزاء " - وقرئ به في السبعة - فـ " مثل " صفة ، " ومن النعم " صفة أخرى له ، ويجوز أن يكون " مثل " بدلا ، وقرئ شاذا بنصب " مثل " أي : يخرج مثل ; لأن الجزاء يتعدى بحرف الجر ، وقرئ بإضافة الجزاء إلى " مثل " فيكون في حكم الزائد كقولهم : مثلك لا يبخل ، ويجوز أن يتعلق " من النعم " بقوله " فجزاء " إن نصبت " مثلا " لعمله فيهما لأنهما من صلته لا إن رفعته ; لأن ما يتعلق به من صلته ، ولا يفصل بين الصلة ، والموصول بصفة أو بدل ، ويجوز تعلقه به إن أضفته ، ويجوز جعله حالا من الضمير " قتل " ; لأن المقتول يكون من النعم ، " ويحكم به " صفة لجزاء إذا نونته ، وإذا أضفته ففي موضع حال عاملها معنى الاستقرار المقدر في الخبر المحذوف .

( وهو ضربان أحدهما : ماله مثل من النعم ) ليس المراد به حقيقة المماثلة فإنها لا تتحقق بين الأنعام والصيد ، وإنما أريد بها من حيث الصورة ( فيجب فيه مثله ) نص عليه ، ( وهو نوعان : أحدهما : قضت به الصحابة ) ليس المراد به كلهم ( ففيه : ما قضت ) لقوله - عليه السلام - : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ولقوله عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها [ ص: 193 ] بالنواجذ . رواه أحمد ، والترمذي ، وصححه ، وعن حذيفة مرفوعا : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر ، وعمر . رواه الترمذي ، وحسنه ، ولأنهم أقرب إلى الصواب ، وأعرف بمواقع الخطاب ، فكان حكمهم حجة على غيرهم كالعالم مع العامي ، ففي النعامة بدنة حكم به عمر وعثمان وعلي وزيد وأكثر العلماء ; لأنها تشبه البعير في خلقه فكان مثلا لها فيدخل في عموم النص ، وجعلها الخرقي من أقسام الطير ; لأن لها جناحين فيعايا بها ، فيقال : طائر تجب فيه بدنة ، ( وفي حمار الوحش ) بقرة ، قضى بهعمر ، وقاله عروة ، ومجاهد ; لأنها شبيه به ، وعنه : بدنة ، وقاله أبو عبيدة ، وابن عباس ، ( وبقرته ) أي : في بقرة الوحش بقرة قضى به ابن مسعود ، وقاله عطاء وقتادة ، وعنه : لا جزاء لبقرة وحش ، كجاموس ، ( والإيل ) بكسر الهمزة وفتح الياء مشددة : الذكر من الأوعال فيه بقرة لقول ابن عباس ، ( والثيتل ) هو الوعل المسن ، ( والوعل ) هو تيس الجبل وجمعه : وعول ( بقرة ) قال الأصحاب : كالإيل ، وعنه : في كل منها بدنة ذكرها في " الواضح " وفي " صحاح الجوهري " والوعل هي : الأروى ، وعن ابن عمر : فيها بقرة ، وهو من أولاد البقر : ما بلغ أن يقبض على قرنه ، ولم يبلغ أن يكون ثورا ، ( وفي الضبع كبش ) لما روى أبو داود بإسناده عن جابر قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع فقال : هو صيد وفيه كبش إذا صاده المحرم وروى ابن ماجه ، والدارقطني عن جابر ، ونحوه مرفوعا ، وقضى به عمر ، وابن عباس ، وقال الأوزاعي كان العلماء بالشام يعدونها من السباع ، ويكرهون [ ص: 194 ] أكلها قال : في " المغني " و " الشرح " : وهو القياس إلا أن اتباع السنة ، والآثار أولى ، ( وفي الغزال ) عنز قضى به عمر ، وابن عباس ، وروي عن علي ، وقاله عطاء قال ابن المنذر ، ولا يحفظ عن غيرهم خلافه ; لأن فيه شبها بالعنز ; لأنه أجرد الشعر متقلص الذنب ، ( والثعلب عنز ) ; لأنه كالغزال ، وسبق أن الأشهر يجب فيه الجزاء ، وإن حرمنا أكله تغليبا للتحريم ، كما وجب الجزاء في المتولد من المأكول وغيره ، وعنه : فيه شاة ; لأنه أعظم من الغزال إذا قلنا بإباحته ، وإلا فلا شيء فيه على المذهب ، ( وفي الوبر ) بسكون الباء دويبة أصغر من السنور طحلاء ، ولا ذنب لها ، ( والضب ) حيوان صغير له ذنب شبيه بالحرذون ( جدي ) قضى به عمر ، وعبد الرحمن بن عوف في الضب ، وعنه : شاة ، وقاله جابر وعطاء ، والأول أولى ; لأن الجدي أقرب إليه من الشاة ، وأما الوبر فبالقياس على الضب ، وفي " المغني " : فيه شاة ، وحكاه عن مجاهد ، وعطاء .

وقال القاضي : فيه جفرة ; لأنه ليس بأكبر منها ( وفي اليربوع ) قال أبو السعادات : هو الحيوان المعروف ، وقيل : هو نوع من الفأر ( جفرة ) قضى به عمر ، وابن مسعود ، وجابر ، وهي من أولاد المعز ( لها أربعة أشهر ) قال أبو الزبير : هي التي فطمت ، ورعت ( وفي الأرنب عناق ) قضى به عمر ، ورواه مالك بإسناده عن جابر عنه ، وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في الأرنب عناق ، وفي اليربوع جفرة . رواه الدارقطني ، والعناق : الأنثى من ولد المعز أصغر من الجفرة ( وفي الحمام وهو كل ما عب وهدر شاة ) حكم به عمر ، وابنه ، وعثمان ، وابن عباس قال الأصحاب : هو إجماع الصحابة ، وليس ذلك على وجه القيمة لما سبق [ ص: 195 ] ولاختلاف القيمة بالزمان والمكان والسعر وصفة المتلف ولم يوصف ، ولم يسألوا عنه مع أن مالكا ، وافق في حمام الحرم دون الإحرام ، والقياس يقتضي القيمة في كل طير تركناه في حمام الحرم لما تقدم فيبقى ما عداه على الأصل قلنا ، وقد روي عن ابن عباس أنه قضى في حمامة حال الإحرام بشاة ; لأنها حمامة مضمونة لحق الله فضمنت بشاة كحمامة الحرم ، وقوله : كل ما عب . بالعين المهملة أي : وضع منقاره في الماء فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرة قطرة كالدجاج والعصافير . وهدر أي صوت ، وإنما أوجبوا فيه شاة لشبهه في كرع الماء ، ولا يشرب كبقية الطيور ، ومن هنا قال أحمد في رواية ابن القاسم وسندي : كل طير يعب الماء كالحمام فيه شاة فيدخل فيه الفواخت ، والقمري ، والقطا ، ونحوها ; لأن العرب تسميها حماما ، ( وقال الكسائي : كل مطوق حمام ) فعلى هذا يكون الحجل من الحمام ; لأنه مطوق .

التالي السابق


الخدمات العلمية